هل فارس في الحديث هي دولة إيران الحالية ؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فولدنا عبد الله الشريف أخ عزيز نحبه في الله وله جهود مباركة وإن خالفناه في بعض الأمور وأنكرنا عليه البعض الآخر مثل تساهله كثيرا في الموسيقى في برنامجه عبودة بصورة مستفزة لاداعي لها حرمتنا من الاستفادة منه مطلقا .
وأشد ما يؤلمنا حينما يدخل الأخ الكريم المنطقة المحظورة وهي الحديث في أمور الشريعة والمقصورة على العلماء فقط كما بينا كثيرا في كتابات عدة ضمن مقالات أو مؤلفات أو دورات .
ومما زلت فيه قدمه حديثه عن موضوع الحج وعلاقته بالأموال التي تصل إلى ترامب وقد رددنا على ذلك دون توجيه الانتقاد له شخصيا .
وبالأمس خرج لنا بباقعة بدأت بعنوان ساخر كان الأولى له ألا يستخدمه وهو قوله : اللهم انصر أعداء الدين ! وهذا وإن كان على سبيل السخرية فهو دعاء فيه نرى فيه اعتداء ولا يقبل أن يراهن به لأجل الانتشار ولفت النظر .
وأما المقصود بمقالنا فهو مدخل الحلقة حيث ساق حديثا صحيحا تكلم فيه بطريقته الجميلة المعهودة وقد أوصل به رسالة خاطئة وخطيرة وطلب من أهل العلم الإدلاء بدلوهم ، وهذا جميل ولكنه في غير موعده ياعبودة ! المفترض أن تسأل أنت عن ذلك قبل نشر الحلقة وأثناء إعدادها حتى لا تأتي بهذه الطامة وتكون سببا في نشر معلومة مغلوطة ربما تفسد على أمم من الناس دينهم ويكون كل ذلك في ميزانك يوم القيامة ، ونحن نرجو لك أن يكون ثقيلا مثقلا بالحسنات .
الحديث جاء في معرض قوله تعالى : وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال ناس من أصحاب رسول الله ﷺ : يا رسول الله، من هؤلاء الذين ذكر الله: إن تولينا استُبدِلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: وكان سلمان بجنب رسول الله ﷺ ، قال: فضرب رسول الله ﷺ فخذَ سلمان، قال: «هذا وأصحابه. والذي نفسي بيده، لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس»
وقد أخرجه الترمذي وقال: (هذا حديثٌ غريبٌ، في إسناده مقال) ولكن صححه العلماء لأجل شواهده وقد ذكر عبد الله منهم الألباني والأرناؤوط رحمهما الله
والأمر أهون من ذلك فالحديث ثابت في الصحيحين عن أبي هريرة بلفظ آخر وهو في مدح فارس أيضا ومؤداه واحد وإن اختلفت الآية
ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا قَرَأَ: {وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} قَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ النَّبِيُّ ﷺ ، حَتَّى سَأَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ: وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ: «لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ»
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِسَ –أَوْ قَالَ: مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ- حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ »
وللأسف فإن الأخ عبد الله حاول تنزيل مدح فارس في الحديث على دولة إيران الحالية ضاربا عرض الحائط بشروح العلماء وطرق التنزيل والاستنباط ..
فأولا : ليس مدح طائفة معينة بمنسحب على كل من ينتمي إليها نسبا أو موطنا طيلة العمر وعلى وجه العموم فمن أشهر ما هو معلوم مدح النبي ﷺ لأهل اليمن مثلا في أحاديث عدة وكذا أهل المدينة وكذا قريش !! فهل يدخل في مدح قريش أبو جهل وأبو لهب ومشركو مكة مثلا ؟؟
وقد قال رسول الله ﷺ : إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها . وقال : إن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد . وقال من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء . وغير ذلك
فهل هذه الأحاديث تشمل جميع الأحوال وجمع الأزمنة مهما انتشر الفسوق أو الفساد ؟! والتاريخ معروف في استباحة المدينة وماحصل فيها من وقائع .
وثانيا : ياحبيبنا عبد الله ليست فارس هي دولة إيران لا تاريخيا ولا جغرافيا .. وليست إيران هي رافضتها فقط بل هناك أهل السنة المقهورون المضطهدون هناك وهم كثير
ومصطلح “إيران” لم يكن معروفًا مشتهرًا إلى أن جاء الغزو المغولي لديار الإسلام.
وهو لا يرادف مصطلح “الفرس”، فالإيرانيون من أعراق مختلفة، والإلخانيون أنفسُهم الذين اشتهر هذا المصطلح على أيدي مؤرخيهم -مثل رشيد الدولة الهمداني- لم يكونوا من الفرس.
وقد حكم إيران بعد المغول سلالاتٌ مختلفة .
ففارس منطقة تاريخية كانت اسمًا قديمًا لإقليم معين جنوبي غرب إيران الحالية. وكانت مملكة مستقلة قبل الإسلام، ثم أصبحت جزءًا من الدولة الساسانية.
والعرب أطلقوا اسم “فارس” على كامل البلاد التي كانت تحكمها الإمبراطورية الساسانية.
أما إيران فالاسم الرسمي الحالي للدولة التي نعرفها اليوم استخدم رسميًا لأول مرة في 1935م بناءً على طلب من الشاه رضا بهلوي. ومعناها أرض الآريين (العرق الآري اللي يشمل الفرس وغيرهم).
و”إيران” اليوم هي الامتداد الجغرافي الحديث لفارس القديمة، لكنها تضم أعراق كثيرة غير الفرس: مثل الأذريين، الأكراد، البلوش، العرب، التركمان، إلخ.
ثالثا : ليس تنزيلك بموفق أبدا لأن ضرب إيران للكيان ليس من باب استبدالنا لنصرة الدين فهذا لايقول به عاقل لأن إيران لم تضرب الكيان نصرة للدين بل القدس له عشرات السنين منتهك ولم يتحرك لهم ساكن ولم يطلق من جهتهم صاروخ واحد ولكن مافعلوه هو رد اعتداء عليهم ولو حصل الاعتداء من خيرة عباد الله عليهم ولو من الصحابة الذين هم يكفرونهم لضربوهم أشد من ضربهم للصهاينة . ومافعلوه يفعله الحيوان إذا مسه أحد بسوء حتى الهرة تخمش من يطأ ذيلها فهذه فطرة عند الجميع .
ومعلوم للجميع أن إيران لم تنصر الدين أبدا بل هدمته ولازالت تهدمه بعقيدتها الفاسدة وشركياتها المعروفة وسلوكيتها المنحرفة وحربها على أهل الإسلام وإبادتها لهم بالقتل والسجن والإعدام الممنهج .
ورابعا وأخيرا : ما المراد من الحديث إذن ؟؟
عندما نريد فهم معنى حديث فإن المرجع في ذلك العلماء وشروحهم حيث يجمعون الحديث مع سائر النصوص ويعرفون العموم والخصوص والإطلاق والتقييد ومناطات الحكم وتنقيح ذلك وتحقيقه وليس الفهم القاصر من عامي ينظر لمعنى سطحي يظهر له فيظنه فهما صحيحا للحديث
والمراد من الحديث يتعلق بنصرة أهل فارس للدين الإسلامي بجمعه ونشره وحراسته وخدمته وهذا قد تم على أكمل وجه مصداقا لهذا الحديث المعجز بعد أن تقاصرت جهود العرب في ذلك مع أفضليتهم المطلقة على الفرس .
وعلى رأس من خدم هذا الدين من رجال فارس الإمام أبو حنيفة النعمان ولذا يحتج أتباعه دوما بهذا الحديث على فضله وإمامته .. بل حتى من أئمة الشافعية من نزل هذا الحديث عليه ومنهم الإمام السيوطي رحمه الله حيث قال : هذا الحديث الذي رواه الشيخان أصل صحيح يعتمد عليه في الإشارة لأبي حنيفة، وهو متفق على صحته، وبه يستغنى عما ذكره أصحاب المناقب ممن ليس له دراية في علم الحديث .ا.هـ
وقال القرطبي في تفسير الآية: (وأحسنُ ما قيل فيهم _ أي في الآية _ أنهم أبناء فارس؛ بدليل نص هذا الحديث، وقد كثُرت أقوال المفسرين في ذلك، وقد ظهر ذلك للعيان، فإنهم ظهر فيهم الدِّين، وكثر فيهم العلماء، فكان وجودُهم كذلك دليلًا من أدلّة صدق النبي ﷺ)
وقال ابن تيمية في شرح الحديث: (ومصداق ذلك ما وجد في التابعين ومن بعدهم من أبناء فارس الأحرار والموالي، مثل الحسن وابن سيرين وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم، إلى من وجد بعد ذلك فيهم من المبرِّزين في الإيمان والدين والعلم، حتى صار هؤلاء المبرِّزون أفضلَ من أكثر العرب)
وهنا يشير شيخ الإسلام لبروز الموالي من فارس وغيرها في عصر التابعين وتابعيهم ومن هؤلاء :
الحسن البصري إمام الزهاد والوعاظ بالبصرة.
أمه كانت خادمة لأم المؤمنين أم سلمة، وأصلها فارسي.
محمد بن سيرين من كبار التابعين ومن أئمة الحديث وتعبير الرؤى، أصله فارسي، وكان أبوه مملوكًا لأنس بن مالك.
عكرمة مولى ابن عباس إمام التفسير أصله فارسي وكان من كبار تلاميذ عبد الله بن عباس.
سعيد بن جبير إمام التفسير يرجّح أنه كان من أصل فارسي أو مولى فارسي، من كبار تلاميذ ابن عباس أيضًا.
ويتلوهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت فارسي الأصل، وُلد في الكوفة.
وعبد الله بن المبارك من كبار العلماء في الحديث والزهد والجهاد . من أهل مرو (خراسان)، فارسي الأصل.
وسفيان الثوري إمام في الحديث والزهد ولقّب بأمير المؤمنين في الحديث. يُقال إن أمه فارسية.
وسفيان بن عيينة شيخ الإسلام وإمام في الحديث . أصله فارسي، وُلد في الكوفة.
وإبراهيم بن أدهم معروف بورعه وزهده. فارسي الأصل من بلخ (في خراسان)،
وبشر بن الحارث (الحافي) من مرو، أحد أعلام الزهد.
إلى آخر القائمة .
ونحن نذكر طائفة من الأئمة من فارس الذين نصر الله بهم الدين وتفوقوا على العرب في ذلك . فمن هؤلاء :
🔸 أئمة الحديث أصحاب الكتب الستة وغيرهم من أئمة دوواين الحديث الذين عليهم اعتمدت الأمة في حفظ دينها :
• الإمام البخاري (194-256هـ) — من بخارى
• الإمام مسلم (206-261هـ) — من نيسابور
• الإمام الترمذي (209-279هـ) — من ترمذ
• الإمام النسائي (215-303هـ) — من نسا (خراسان)
• الإمام أبو داود السجستاني (202-275هـ) — من سجستان
• الإمام ابن ماجه القزويني (209-273هـ) — من قزوين
وبعد هؤلاء :
• الدارمي (181-255هـ) — من دارم
• ابن خزيمة (223-311هـ) — من نيسابور
• ابن حبان (270-354هـ) — من سُجستان
• أبو عوانة (270-316هـ) — من إسفرائين
• الحاكم النيسابوري (321-405هـ) — من نيسابور
• البيهقي (384-458هـ) — من بيهق
وغيرهم كثير
📜 وهؤلاء أعمدة علماء الجرح والتعديل من فارس:
• الإمام البخاري (194-256هـ) — من بخارى
• الإمام مسلم (206-261هـ) — من نيسابور
• أبو زرعة الرازي (200-264هـ) — من الري
• أبو حاتم الرازي (195-277هـ) — من الري
• ابن أبي حاتم الرازي (240-327هـ) — من الري
• الحاكم النيسابوري (321-405هـ) — من نيسابور
• أبو أحمد الحاكم الكبير النيسابوري (ت 378هـ) — من نيسابور
🔸 ومن أئمة الفقه والأصول :
• أبو حنيفة النعمان (80-150هـ) — من أصل فارسي
• إمام الحرمين الجويني (419-478هـ) — من نيسابور
• أبو حامد الغزالي (450-505هـ) — من طوس
• القفال الشاشي (291-365هـ) — من شاش
• أبو الحسن الكرخي (ت 340هـ) — من بغداد، وأصوله من فارس
• أبو بكر الصيرفي (ت 330هـ) — من نيسابور
• عبد الجبار الهمذاني (ت 415هـ) — من همذان
• السرخسي (ت 483هـ) — من سمرقند
• أبو إسحاق الشيرازي (393-476هـ) — من شيراز
🔸 ومن علماء العقيدة وأصول الدين:
• الإمام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي (ت 396هـ _481هـ ) — من هرات
• الإمام أبو القاسم اللالكائي (ت 418هـ ) — طبرستان (شمال إيران)
• أبو منصور الماتريدي (ت 333هـ) — من سمرقند
• عبد القاهر البغدادي (ت 429هـ) — من نيسابور
• إمام الحرمين الجويني (كما سبق)
• أبو الحسن الأشعري (260-324هـ) — أصله من البصرة، وأسرته فارسية
🔸 وأما من أئمة التفسير وعلوم القرآن :
• الإمام الطبري (224-310هـ) — من طبرستان
• الثعلبي (ت 427هـ) — من نيسابور
• الواحدي النيسابوري (ت 468هـ) — من نيسابور
• الزمخشري (467-538هـ) — من زمخشر
📚 وأما علماء فارس في اللغة العربية:
• سيبويه (148-180هـ) — من شيراز
• أبو علي الفارسي (288-377هـ) — من فارس
• ابن جني (322-392هـ) — أصله من الموصل وأبوه فارسي
• أبو منصور الأزهري (282-370هـ) — من هراة
• الراغب الأصفهاني (ت 502هـ) — من أصفهان
• الزمخشري (467-538هـ) — من زمخشر
هؤلاء طائفة من رؤوس أئمة هذا الدين الذين قصدوا في الآيات وفي الأحاديث ولا علاقة البتة لها بدولة إيران الصفوية أو الرافضية
ونختم بما نزل من القرآن في الرافضة حقا سواء أكانوا من الفرس أم العرب .. من إيران أم الجزيرة قال تعالى : {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَىٰهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَىٰةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُ فَـَٔازَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ}
قال الإمام مالك: (من أصبح في قلبه غيظٌ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية)
وقال ابن كثير : (ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله -في رواية عنه- بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابةَ، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابةَ فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء على ذلك، والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرُّض لهم بمساءة كثيرة، ويكفيهم ثناءُ الله عليهم ورِضاه عنهم)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم