من أي صنف أنت ؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله … أما بعد
فالناس مع كل علم من العلوم على مراتب ثلاث :
عالم وطالب علم وعامي
هل يوجد قسم رابع في العقل ؟
وكل قسم له مواصفاته ومميزاته وله حقوقه وواجباته
ولنضرب مثالا واقعيا من حياتنا لا يختلف عليه غالبا الناس فمثلا علم الطب .
علم الطب له علماؤه وهم من أفنوا أعمارهم بعدما درسوا السنوات الطوال يصلون ليلهم بنهارهم في استيعاب علومهم .
ثم طووا الأعوام بعد الأعوام في البحث والتنقيب والتجارب والتدريب في تطبيقات مادرسوه خلال هذه السنوات الطوال .
ثم طبقوا هذه العلوم عمليا مرات عديدة ولأزمنة مديدة حتى شهد لهم القاصي والداني بعلو الشأو وجلالة القدر .
ثم أثروا الأمة بأبحاثهم ومؤلفاتهم العظيمة خلاصة هذه الخبرات والتي ينهل منها بعدهم طلبة العلم الذين يرومون السير على نهجهم .
ومنهم من انبرى لتعليم طلاب هذا العلم وتدريب الأجيال لكي يكملوا المسيرة في خدمة أمتهم .
وهؤلاء يتفاوتون فيما بينهم ولكن الكل يلجأ إليهم ويسألهم ويعتمد ما يقولونه ويسلم لهم ويضع مسئولية جسده بين أيديهم .
ولا يقبل أن يدخل في مسائل الطب سواهم وهم الذين يتناقشون فيما بينهم عند اختلاف وجهات نظرهم .
ولهم احترامهم وتقديرهم خاصة من طلابهم ويمثلهم مؤلفو كتب الطب وأساتذة الجامعات وكبار الأطباء .
فهل أنت من علماء هذا العلم ؟
وعلم الطب له طلابه وهؤلاء هم الذين أفنوا صباهم وفتوتهم وجزءا من شبابهم ليؤهلوا أنفسهم فقط ببعض العلوم الأولية .
وذلك ليتمكنوا من استيعاب علوم الطب فيما بعد ثم بعدما برزوا في علومهم الأولية وحازوا أعلى الدرجات اتجهوا للطب .
فإذا بهم يبدءون أولى مراحل العلماء بوصلهم الليل بالنهار في دراسة علوم الطب تدريجيا شيئا فشيئا صغاره ثم كباره .
ليس قراءة من الكتب ولا مشاهدة للقاءات ولكن ثنوا ركبهم عند علماء هذا العلم وتأدبوا بأدب طلاب العلم .
حتى شهد لهم أساتذتهم بأنهم تمكنوا من استيعاب هذه العلوم واستطاعوا فهم نصوص علمائها وأنهم أصبحوا أهلا للانتقال لمرحلة أعلى .
فمنهم من اقتصر على هذا الحد ومنهم من أكمل المسيرة ليزداد علما وينهلل من أنهاره الثرة فسافر وتنقل بين العلماء .
وذلك ليدخل مرحلة أخرى يقترب فيها من أولى مراحل العلماء .
والقسم الأول من هؤلاء لا يسلم لهم أحد ولا يرجع لهم في قول ولا يعتمد لهم رأي وإنما يمكنهم شرح ما يقوله علماؤهم وتبسيطه لغيرهم .
كما يمكنهم معالجة بعض الحالات اليسيرة التي يكفي لها ما حصلوه من علوم .
أما القسم الثاني فهو كالأول إلا أنهم يمكنهم علاج حالات أعلى درجة وكلامهم في الترجيح بين ما يختلف فيه العلماء له اعتباره .
وهم جميعا يتناقشون فيما بينهم ويفهم بعضهم بعضا فإذا حضر العلماء صمتوا وأعطوا القوس باريها وأنصتوا ليتعلموا .
وهؤلاء لهم احترامهم وتقديرهم بحسبهم لأنهم طلبة علم ومشاريع لعلماء أجلاء .
فهل أنت من طلاب علم الطب ؟
وعلم الطب له أمة من العوام فيه وهم جل الناس الذين لديهم ما يشغلهم عن هذا العلم فليسوا من علمائه ولا من طلابه .
فلا ينطبق عليهم وصف أي من الفريقين وهؤلاء يلزمهم احترام الفريقين السابقين وإنزال أصحابهما منزلتهم .
وإذا حصلت لهم حاجة لهذا العلم فإنهم يلجأون إلى علمائه يسألونهم وربما استأنسوا بطلبة العلم ليساعدوهم في الوصول لعلمائهم .
وهؤلاء يمثلهم سائر طوائف الأمة من علماء وأمراء وخبراء ومهندسين ومدرسين ومحاسبين وإعلاميين وتجار وزراع وصناع وغيرهم .
لا تجد أحدا من هؤلاء يجري عملية جراحية عند غير أهل العلم من الأطباء مهما بلغ قدره وزاد جاهه وماله .
ولا تجد أحدا منهم يجري عملية جراحية عند طالب من طلاب كلية الطب مهما كان متفوقا .
وعليه فما الذي يحصل مع علوم الشريعة وهي أصعب وأعمق وأوسع وأشرف من كل علم على وجه البسيطة .
وإذا كان علم الطب له شرفه لأنه يتعامل مع الجسد البشري المكرم فكيف بالعلم الذي يتعامل مع الجسد والروح معا .
وإذا كان علم الطب علم دنيوي صرف يخدم الدنيا الزائلة بالجسد الفاني فكيف بالعلم الذي يخدم الآخرة الباقية بالجسد الباقي .
وإذا كان الذي يخوض في علم الطب من غير أهله مستنكر من كل العقلاء فكيف بمن يتقول على الله بغير علم .
فانظر أخي الحبيب من أي صنف أنت في علوم الشريعة ؟
هل أنت عالم فنسمع لك ونسلم لما تقول أم أنت طالب علم فنسألك عن كلام العلماء لتوضحه وتبسطه لنا
أم أنت من العوام فليس لك أن تتخوض في علم الله بغير أهلية والسلامة أن تمسك عليك لسانك لئلا تهلك .
وتشغل نفسك بالبحث عن العالم الثقة الذي تسأله عن أمور دينك وتذعن لقوله دون هوى وتتبع للرخص والزلات ؟
وهنا ندعوك أن تحاول أن ترقى بنفسك من منزلة العوام إلى منزلة طلبة العلم لكي تبصر طريقك وتنور بصيرتك .
ولكن لكل شيء ثمنه وإليك منهجا إن أحببت ذلك عليك أن تسير عليه وإلا فقف مكانك قال تعالى ( قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا
(وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )
https://tarhuni.net/4379