خواطر مع الواقع 13
الشماتة في الكافر ونصر غزة!
عاتبني بعض من أحب في قلة مشاركاتي الفترة السابقة مع توالي عدة أحداث .. وعلى الرغم من تفكيري الفعلي في المشاركة تأخرت أيضا ! والسبب في ذلك عدم خفاء الأمور في نظري على جل متابعيني وقد كفاني مؤونة الإدلاء بدلوي كثيرون وأيضا فتور أصابني لبعض العوامل على الصعيد العام ثم مشاغل أسرية جدت أخذت مني وقتا وجهدا وحيزا عظيما من المشاعر ..
وفي هذه الخاطرة نتكلم عن مسألتين دار الجدل حولهما
الأولى : مامن الله به من حرائق هائلة أصاب بها دار الكفر ورأس المحاربين لدين الإسلام ، حيث للأسف صدرت أصوات نشاز توحي بأن الفرح بمثل هذا الأمر الرباني العظيم نوع من الشماتة المذمومة ولايليق بالمسلم .
والثانية : مامن الله به من نصر عظيم مؤزر لإخواننا المجاHدين فخر الأمة في غزة العزة ، حيث للأسف أيضا صدرت كذلك أصوات نشاز قبيحة هي غالبا من نفس أصحاب أصوات المسألة الأولى توحي بأن هذا ليس نصرا بل هو دمار وهلاك تسبب فيه هؤلاء السادة العظماء بتهورهم وقلة فقههم
ونقول :
المقدمة دلت على ما نراه وندعو الجميع إليه
فأما الشماتة فهي الفَرَحُ ببليَّةِ مَن تعاديه ويعاديك . قال ابنُ حَجَرٍ: الشَّماتةُ… فَرَحُ الشَّخصِ بما يسوءُ عَدُوَّه . وقال النَّوويُّ: شماتةُ الأعداءِ: هي فَرَحُ العَدُوِّ ببَليَّةٍ تَنزِلُ بعَدُوِّه . وقال المُناويُّ: الشَّماتةُ: الفَرَحُ بمُصيبةِ العَدُوِّ . وهكذا قال غيرهم من العلماء .
وقال تعالى : قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ .
والنبي ﷺ كان يتعوَّذُ من سوءِ القَضاءِ، ومِن دَرَكِ الشَّقاءِ، ومِن شماتةِ الأعداءِ، ومِن جَهدِ البلاءِ .
فالشماتة إذن خلق متبادل بين الأعداء وهو الفطرة السليمة القويمة فعدوك طالما هو عدو لك يفرحك ألمه ويؤلمك فرحه قال تعالى : إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا
وقال تعالى : غلبت الروم ثم ذكر غلبتهم لفارس ..ثم قال : ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
والغلبة هنا قتل وحرق وتشريد وانتهاك أعراض وهلاك نسل ودمار ومع ذلك فرح بها المؤمنون وسماها الله نصرا وأضافه لنفسه سبحانه .
حتى يوم القيامة أيضا يشمت المؤمنون في الكافرين إذ يفرحون ويضحكون وهم يرونهم حطبا لجهنم تشوي جلودهم وتنزع فرو رؤوسهم .
قال تعالى : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون .
ومن الشماتة المحمودة الفرح بهلاك الطواغيت والظلمة من الكفار وغيرهم
فصام ﷺ عاشوراء لأنه اليوم الذي أهلك الله تعالى فرعون وجنوده فيه وفرح فرحا عظيما عندما بشر بهلاك أبي جهل وفرح الصحابة بمقتل عمرو بن ود العامري وفرح أبو بكر لما جاءه خبر مقتلِ مُسَيْلِمة الكذَّاب، وفرح علي بمقتل ذي الثدية وفرح السجاد حين بلغه مقتل عبيد الله بن زياد وسجد شكراً لله تعالى وقال: الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من عدوِّي وقيل : إنه فرَّق الفاكهة على أهل المدينة
ولما بشر إِبْرَاهِيْمَ النخعي بِمَوْتِ الحَجَّاجِ سَجَدَ شكرا لله وبكى من الفَرَحِ” وَقَالَ حَمَّادٌ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ حَتَّى رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ يَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ. اهــ
وقيل للإمام أحمد : “الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد فهل عليه في ذلك إثم؟ قال: ومن لا يفرح بهذا؟!
وقد نص الفقهاء على جواز الفرح بما يصيب العدو من البلايا ولا أعرف في ذلك خلافا عن عالم معتبر طيلة عقود الإسلام
والشماتة بمصاب الأعداء شفاء لصدور المؤمنين وذهاب لما فيها من غيظ إذ انتقم الله لهم منهم بطريق أو بآخر قال تعالى : قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ينبغي على الإنسان المسلم أن يحمد الله إذا نزل بالكفار نازلة فإن ذلك مما يشكر عليه الله وليس مما يدعا برفعه .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن زلزال يصيب اليابان ونحو ذلك أيفرح به ؟ قال : يفرح؛ لأنها قد تكون موعظةً، وقد تكون فيها هداية .
فمن لم يفرح بالبلاء النازل بعدوه من الله تعالى مريض نفسي أو فاقد لأصل الولاء والبراء في إيمانه أو متاجر بدينه يخطب ود الطواغيت وأوليائهم من أهل الكفر ليس إلا واحدا من هؤلاء الثلاثة .
ونحن في هذه النازلة التي غمرتنا بفرحتها وندعو الله تعالى أن يزيدها ويبارك فيها حتى تلتهم الأخضر واليابس في أمريكا ندعو الله تعالى أن يسلم من ذلك من يعيش هناك من المسلمين وإن كانوا مقصرين تقصيرا عظيما بمقامهم بدار الكفر المحاربة .. ونتخيل لو كان الله مكن لنا بصواريخ وطائرات تقصف أمريكا كما تقصف هي إخواننا في غزة وغيرها من ديار المسلمين فرميناها فهلك من هلك منهم هناك مع العدو فلاحرج في ذلك إطلاقا وقد استحقوا ما أصابهم في الدنيا بمقامهم بين أعداء الملة المحاربين ثم يبعثهم الله على نياتهم .
وبناء على ماقلناه بطلت حجة من يتغنى بوجود مسلمين هناك .
ونحن هنا نستبعد من الخطاب نوعين من المبرسمين :
الأول : من لا يعتبر هذه الحرائق عذابا من الله أرسله على هؤلاء الكفرة .
والثاني : من لا يعتبر أمريكا دولة محاربة رأس الكفر .
ولايفوتنا أن نقرر أن الدعاء بالاستئصال التام للعدو المحارب هو الهدي النبوي بخلاف الكافر المسالم المرجو إسلامه حتى لايزايد علينا من يتغنى بحديث : اللهم اهد دوسا . ونلجمه بدعاء خبيب الذي أقره النبي ﷺ : اللَّهُمَّ أحْصِهِمْ عَدَدًا، واقْتُلْهُمْ بَدَدًا، ولَا تُبْقِ منهمْ أحَدًا . بل واستجاب له الله فيه .
وقد دعا النبي ﷺ بنقل حمى المدينة إلى الجحفة . قال النووي : قال الخطابي وغيره : كان ساكنو الجحفة في ذلك الوقت يهودا، ففيه دليل الدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك، وفيه الدعاء للمسلمين بالصحة وطيب بلادهم والبركة فيها، وكشف الضر والشدائد عنهم، وهذا مذهب العلماء كافة. انتهى.
وأما الشماتة بالكافر غير الحربي _ وقد ذكرنا أنواعه في رسالة هل هناك كفار أبرياء أو مدنيون ؟ وكذا في كتاب أحكام الدور وسكانها _ فينظر في أمرها حسب المصالح والمفاسد فقد تجوز وقد تحرم وفقا لذلك .
أما الشماتة بالمسلم فإنها لا تجوز وقد روي في ذلك حديث عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله ﷺ : لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك. أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب .
والحديث في إسناده ضعف ولكن أخوة الإسلام تمنع من الشماتة بمصاب المسلمين بل الواجب مواساتهم في مصابهم حتى وإن كانت بينهم إحن فعلى هذا درج أهل العلم والفضل .
وقال أكثَمُ بنُ صَيفيٍّ: ليس من الكَرَمِ أن يَشمَتَ الرَّجلُ بصاحِبِه إذا زلَّت به النَّعلُ، أو نَزَل به أمرٌ .أ.هـ
ويكفينا قوله ﷺ : لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه .
وقوله : المسلمُ أخو المسلمِ لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه .
ضاق الوقت علي وكثرة الكلام ينسي بعضها بعضا فلعلنا نرجئ موضوع النصر لحلقة مستقلة إن شاء الله .