هذه محاضرة ارتجلت في جمع من الإخوة الكرام في رحلة استضافتي بالإحساء من قبل أخينا وتلميذنا الشيخ أبي عبد الرحمن عبد العزيز مبارك الحنوط ومعه الأخ مشعان العتيبي صاحب دار فواز للنشر عام 1411هـ وكانت على جلستين بينهما عشاء الضيافة
للتحميل اضغط هنا ⇓
الترتيب العجيب لفواتح سورة النجم عن المعراج ودروس من السيرة (جلسة الإحساء) pdf
الترتيب العجيب لفواتح سورة النجم عن المعراج ودروس من السيرة (جلسة الإحساء) doc
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أراكم ناويين تسجلون وأشياء ….
……………
والله إذا ما يخرج خارج الإخوة لا بأس.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل الله ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد؛
أنا تسمحون لي أحب أن تكون الجلسة يعني أخوية أكثر منها رسمية، إن شاء الله أتكلم هذه الليلة في كلمات موجزة عن أمر كان من المشكلات علي كفرد منكم في التفسير ويتعلق بالسيرة، ومادام طلبكم في السيرة فيا حبذا لو نتكلم في هذا الأمر لأن فيه فائدة كبيرة إن شاء الله وقد بحثت فيه مدة طويلة جدا حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، طبعا التفصيل سترونه في السيرة، وإنما أعطيكم الخلاصة بعد هذا البحث وهو في تفسير أوائل سورة “النجم”.
كثيرا ما قرأنا في التفاسير ودرسناها في التفسير وكذا الأقوال الواردة والنصوص التي نُقلت عن أهل العلم من السلف ومن الخلف في هذه الآيات والخلاف الذي دار حولها وما المراد بها ومن المذكور في هذه الآية ومن المذكور في الآية الثانية، وهل الضمير يرجع إلى كذا أم يرجع إلى كذا خلاف طويل جدا، وحدث حيرة عند بعض أهل العلم في مواقف معينة من هذه السورة، والبت فيها كان من الصعوبة بمكان.
فعندما ربطت بداية هذه السورة وما ورد فيها مما يتعلق بالإسراء والمعراج بحوادث الإسراء والمعراج الواردة في السيرة تبين لي بعض الأمور التي أحب أن أطرحها عليكم لعل يكون فيها فائدة إن شاء الله، فنبدأ بتلاوة هذه الآيات ثم بعد ذلك التعقيب بما يتيسر.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)}
لا تؤاخذوني صوتي شوية متعب اليوم، فهذه الآيات التي وردت فيما يتعلق بالمعراج، وهنا اختلف أهل العلم لدرجة أن بعضهم قال لعلها قصة أخرى تماما غير المعراج بسبب الخلاف الشديد، وأنا أذكر لكم الآن المواضع التي أشكلت وسببت الخلاف.
يقول الله سبحانه وتعالى {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} هذه الكلمة “شديد القوى” إن لم ننظر في تفسير السلف فهي تحتمل أن يوصف بها الله سبحانه وتعالى، ولكن بعد النظر في تفسير السلف ما روي عنهم إلا أنها نزلت في جبريل، “علمه شديد القوى” المراد به من ؟ جبريل ما في هناك قول ثاني.
{ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىْ} أي ذو قوة، كذلك قد يوصف بها الله سبحانه وتعالى وبالذات إن فيها “فاستوى” والاستواء وُصف به الله سبحانه وتعالى فقد يتبادر إلى الذهن أن المراد هو الله سبحانه وتعالى، ولكن أيضا اتفق السلف على أن المراد في هذه الآية {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىْ} هو أيضا جبريل.
{وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} أيضا جبريل
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} هنا إشكال كبير، وأيضا في الآية السابقة ( وهو بالأفق الأعلى ) حدث فيها نوع من الاختلاف الطفيف،
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} هل المراد به جبريل أم المراد به الله سبحانه وتعالى ؟
وما معنى كلمة أصلا “فاستوى” في الآية السابقة التي تتعلق بجبريل.
طيب، {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} إذا قلنا إنه جبريل على أنه أقرب مذكور هو الذي ذُكر في الآيات السابقة باتفاق السلف {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى}، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} أيضا هناك خلاف كبير وهو متفرع عن الخلاف في {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} إذا قلنا أيضا إنه جبريل، {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} هنا الإشكال، الإشكال الأكبر لأنه إذا كان جبريل “فأوحى إلى عبده” عبد من؟ الضمير هنا الهاء سيعود على المذكور السابق ، الهاء ترجع إلى جبريل، من هو عبد جبريل ؟ لا ما هو عبد جبريل، الرسول عبد لله تعالى، ما تركب “عبده” إذا رجع الضمير إلى أقرب مذكور فأصبح عبدا لجبريل ، النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا يمكن، إذا رجع إلى الله سبحانه وتعالى قالوا ما تقدم له ذكر، فكيف يأتي الضمير لشيء لم يتقدم له ذكر ؟ فهنا هذه الآية أصبحت مشكلة، لكي ترجع المذكور السابق أن يكون الله سبحانه وتعالى حتى تلتئم {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} يعني فأوحى الله إلى عبده ما أوحى، وخصوصا إذا قلنا إنه في المعراج، لأن الله عز وجل أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس وأشياء أخرى.
طيب.
{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} الذي رآه بفؤاده ما هو، هل هو جبريل أم هو الله؟ كذلك خلاف طويل عريض من الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم؟.
{أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} هنا التعبير ب “يرى” تعبير بالمضارع، والتعبير بالمضارع يفيد الاستمرار ماذا يراه النبي صلى الله عليه وسلم ويماريه فيه الكفار، إذا قلنا قصة الإسراء والمعراج فهم لم يحصل منهم مماراة إلا في قصة الإسراء، ثم إذا قلنا إنه رأى جبريل أو رأى ربه فأيش وجه المماراة هنا المتفرعة عن كل احتمال من الاحتمالين؟.
ثم يقول {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} من هو؟
{ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} طيب جبريل رآه من أول ما جاء ، جبريل هو الذي أخذه وصعد به الطباق والإسراء ورآه كثيرا، فما المراد ؟ هل رأى جبريل أيضا أم رأى الله سبحانه وتعالى؟
وهل لو رأى جبريل كيف رآه حتى يُنص على أنها نزلة أخرى؟
{ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى(14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} هذا توقيت أنه رأى جبريل في وقت يغشى السدرة فيه ما يغشى، أيش الذي غشي السدرة حتى يُربط مع رؤيته لجبريل أو رؤيته لله سبحانه وتعالى؟.
{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} يعني ما جاوز البصر عن الحد بالإجماع، لأنها عن ابن عباس بسند صحيح.
{لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} ماذا رأى من آيات ربه الكبرى؟
فهذا مجمل القصة، والخلاف حولها مثل ما ذكرت كبير جدا ورأيتم أن كل آية يكاد يكون فيها خلاف ، وأخذ وعطاء لأجل أن القصة تلتئم ويتضح المراد منها، أضف إلى هذا أنه مثلا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآيات على الكفار لأجل أمر معين إقامة حجة عليهم إخبار بشيء أو كذا، فإذا تدبر الإنسان في بعض الأقوال يجد أنها ما لها التأثير المراد من تلاوتها عليهم بالذات في معرض التحدي أو في معرض كذا، لكن بعد ما ذكرت لكم ارتبطت بقصة المعراج اتضح كيف تلاها النبي صلى الله عليه وسلم وما وقعها على مشركي مكة وهل فهموها أو ما فهموها، لأن القرآن بلسان عربي مبين وواضح،فكيف حصل هذا الاختلاف الصعب، كل آية فيها إشكال؟
فخلاصة الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزلت عليه هذه الآيات إنما هي تحكي القصة التي وقعت وأخبر بها المشركين، إنها تحكي القصة التي وقعت وأخبر بها المشركين، أنا عندما أخبرك بقصة ثم يأتيك كلام يتعلق بهذه القصة فأنت فاهم من الأصل، فما يحتاج أني أعطيك الضمائر إلى ماذا ترجع ..
تخيلوا أن الآن هذه قصة الإسراء والمعراج، النبي صلى الله عليه وسلم قصها على أهل مكة، وعلموا بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت آيات مصدقة له ومؤكدة لما حدث، فإذن السامع عنده معلومات سابقة، وعلى أساس هذه المعلومات لن يلتبس عليه إرجاع الضمائر هذه، وهذا هو السبب أنك إذا ربطتها بقصة الإسراء والمعراج اتضح التفسير وسهُل جدا، وإذا أنك جئت تدرسها لحالها في التفسير تدور الضمائر أين تروح ، ترجع هكذا ما ترجع هكذا، لكن عند الارتباط اتضحت.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كيف قص القصة على مشركي مكة أو كيف قص قصة المعراج أصلا أو كيف حدثت القصة ؟
فالجزء المتعلق بالآيات هذا الذي سأذكره إن شاء الله.
وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بادئ ذي بدأ، الذي يعلمه القرآن هو من؟ جبريل عليه السلام وقلنا باتفاق السلف أن الآيتين الأوليين في من؟ جبريل، {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} “ذو مرة” أي: ذو قوة، وصف لجبريل وهو يتوافق مع وصف الله له في قوله تعالى {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} هذا وصف لمن؟ لجبريل عليه السلام بالاتفاق، فهنا رد هذه إلى هذه اتفقت الآيتان وهذا تفسير السلف.
فسر هنا “فاستوى” الإمام الطبري، أنا بحثت عن أقوال السلف في قوله “فاستوى” هذه ما قدرت أقف على شيء يفسرها، الإمام الطبري جاء بحديث قال: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرةٍ سوي)، فقال “فاستوى” يعني من سواء الخلقة لكن لو جئنا نأخذ هذا التفسير ونركبه أيش المراد إنه يقال مثلا: “ذو مرةٍ” قوي، “فاستوى” أي فاستوت خلقته موضعها ما هو مع السياق ولو أن كلمة “فاستوى” وردت في القرآن بمعنى اشتداد العود أو كذا، الله عز وجل قال {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى}، ووردت بمعنى الاستواء الذي يليق بجلال الله سبحانه وتعالى، ووردت بمعنى “الاستواء” مثل قول الله سبحانه وتعالى { لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ } التسوية والاستواء مادة واحدة.
فإذا نظرنا في قصة السيرة في هذا الموضع نجد أن جبريل ، الله عز وجل يقول {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى(6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى }، أيش اللي حصل؟ عندما صعد جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم ووصل إلى فوق السبع سماوات، وصل إلى السماء السابعة ثم يقول: (فعلا بي إلى ما لا يعلم إلا الله قدره)، علا به، فعندما ارتفع ارتفع وصل إلى سدرة المنتهى التي فيها {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} تخيل الموضوع حتى تتوافق الآيات أن النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل ووصل إلى منزلة وهذه المنزلة هي أعلى ما يمكن أن يصل إليها، حتى سمع أيش ، سمع صريف الأقلام، النبي صلى الله عليه وسلم سمع صريف الأقلام، فعندما وصلا إلى هذه المنزلة، بدأت السدرة تتغير وتتلون أيش الذي حصل؟ الذي حصل أن الله سبحانه وتعالى { دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} من النبي صلى الله عليه وسلم.
فعندما اقترب الله سبحانه وتعالى ودنا من السدرة تغيرت وتلونت بألوان ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا أدري ما هي، ولا أستطيع أن أنعتها، وغشيها فراش من ذهب) جاء في روايات كثيرة أنها ملائكة، وجاء في رواية بها ضعف أنها من اشتياقها للرحمن عندما اقترب جاءت ووقفت على السدرة ، فغشيها فراش من ذهب وألوان وتحولت زمردا وياقوتا فعندما هذه الصورة حصلت وشعر جبريل بدنو الرحمن عز وجل خر ، يقول أيش أُغشي عليه كحلس لاط التصق بما هو عليه، إذا كان في أرض قلنا استوى بالأرض طيب.
فجبريل عليه السلام خر ودنا الله سبحانه وتعالى وجبريل بهذه الحالة وانتهى الوحي فأوحى إلى عبده ما أوحى، يعنى الله عز وجل أوحى إلى عبده ما أوحى ماذا حصل؟ فاق جبريل فإذا به في صورته التي خُلق عليها لقدوم الرحمن، ما بقي على ما كان عليه .
لما نأتي لبداية قصة الإسراء والمعراج جاءه في صورة دحية، فلما جاء معه في هذه الصورة وصعد به وحصل ما حصل، واقترب الرحمن سبحانه وتعالى تحول جبريل إلى أيش ؟ إلى صورته التي خُلق عليه، تأثرا بهذا الموقف العظيم رجع إلى ما كان عليه، فرآه الرسول صلى الله عليه وسلم كأنما سد الأفق أمامه له ستمائة جناح، يتناثر منها التهاويل والدر والياقوت في سندس أخضر كأن قدميه على بساط أخضر وفيها اللؤلؤ، فهذا شكل جبريل في هذا الموقف.
فهذه آية من آيات الله الكبرى التي رآها، ومن الآيات الكبرى التي رآها ما حصل للشجرة “سدرة المنتهى” من التحول من سدرة ورقها كآذان الفيلة ونبقها كالقلال، تحولت إلى زمرد وياقوت وألوان لا يدري ما هي وغشيها فراش من ذهب، كل هذه آيات من آيات الله الكبرى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظة العظيمة التي هي من أعظم التشريفات التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم.
إذن مع هذه القصة الآن تتضح الروابط التي تربط الآيات بعضها ببعض، لما نقول الآن التلاوة تتلى على من عرف القصة، {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} هذه الوضع الذي صار لجبريل عليه السلام، {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} يعني بعد ما وصلوا إلى الأفق الأعلى واستوى جبريل الله عز وجل دنا فتدلى، في هذه اللحظة دنا الله عز وجل فتدلى { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} هذا الجزء أيضا أيش ؟ صار واضح، {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} هو رؤية النبي صلى االله عليه وسلم لربه بقلبه في هذه اللحظة لأنه رآه بفؤاده صلى الله عليه وسلم ، {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى }، {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} هذا نقاش مع أهل مكة أو طرح هذا الأمر عليهم أنكم كيف تمارونه على ما يرى، مايراه من خلق جبريل لأنه أخبرهم بأنه رأى جبريل وأنه ينزل عليه ملك وأنه يوحي إليه وأنه يأتيه من عند الله، {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} الشيء الذي يتكرر دائما ويراه دائما النبي صلى الله عليه وسلم بعد القصة وقبلها وهو جبريل، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} نزلة أخرى هذه إشارة لإيش؟ للنزلة الأولى التي جاءت في سورة الانفطار {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ} لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم أنه رأى ملكا بين السماء والأرض سادا عظم خلقه ما بين المشرق والمغرب، لأنه رآه على صورته مرة عند أجياد في بداية البعثة النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على خلقته هذه مرة واحدة قبل ذلك، فلما قال { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} غير التي أخبركم بها في السابق { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} أين؟ { عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} المرة الأولى كانت بأجياد بالأفق المبين وهذه المرة بالأفق الأعلى في أيش ؟ { عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}، {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى*إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}، “عندها جنة المأوى” لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عندما وصل سدرة المنتهى يقول (دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك وإذا ..) وذكر أشياء كثيرة في الجنة طبعا إحنا ما تعرضنا لها لأننا نبغي الموضوع الذي فيه الخلاف، يقول أيش {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى*إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} لحظة رؤيته لجبريل بهذه الصورة في اللحظة التي غشي فيها السدرة ما يغشى من الملائكة التي على هيئة فراش من الذهب ومن الألوان والزمرد والياقوت والأشياء التي تحولت إليها وألوان لا يستطيع النبي صلى الله عليه وسلم نفسه أن يصفها، (إذ يغشى السدرة مايغشى ) لماذا ؟ لأنه اقترب منها الله سبحانه وتعالى فتحولت لمثل هذه الحالة، {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} هنا هذه تعلقها بأيش ؟ هل اليصر وصل إلى هذا الحد أم ما جاوز هذا الحد ؟ ما وصل إلى هذا الحد فهو ما جاوز الحد الذي وُضع له لأنه ما يستطيع أن يرى مثل هذه الأشياء ببصره، صلى الله عليه وسلم على أن المعراج تم بالروح فقط، وهذا غير الإسراء طبعا لأن الآية صريحة فيه ونص عليه أهل العلم وكثير منهم جمع بين الخلاف الوارد قال المعراج بالروح وأما الإسراء فبالروح والجسد، وهذا الذي يحل قضية دنو الرب سبحانه وتعالى التي أشكلت أيضا إلى كثير من أهل العلم كيف دنا الرب سبحانه وتعالى فتدلى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} فقضية القرب هذه حصل فيها جدال كبير لدرجة إنهم وهموا فيها شريك في روايته التي في صحيح البخاري وأخرج مسلم طرفها فهي رواية متفق عليها بخلاف الروايات الأخرى التي وردت عن أنس وليس فيها هذا اللفظ ، رواية شريك أخرجها الشيخان ومع ذلك صار من بعض أهل العلم استنكار لقول شريك (ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى).
الحافظ ابن حجر ذكر لها شاهدين وبعد التتبع والبحث وقفت على خمسة عشر شاهدا لهذه قضية الدنو من الله تعالى وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف قضية الرؤية، الرؤية أيضا شواهدها أكثر من الخمسة عشر ، وثبت عن ابن عباس من طرق عدة أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه مرتين فهنا الرؤية بالفؤاد مقوية لقول من قال إن المعراج كان بالروح لأنه لم ير ببصره وإنما رأى بفؤاده، وابن عباس يقول إنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده مرتين، فمرة منها التي كانت في المعراج والمرة الثانية عندما رآه في المنام المشهور (رأيت ربي في أحسن صورة) فهذه كانت في المدينة وهذه المرة كانت في مكة في المعراج.
فالآن تلاءمت الآيات واتضحت الصورة ونسأل الله عز وجل أن يتقبل منا أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه .
… سؤال غير واضح .
– لا الإسراء بالروح والجسد، رأيت كيف ؟ هذا إن شاء الله تجيئكم رسالة في الإسراء والمعراج خاصة المتن ؛ الألفاظ فقط ؛ ألفاظ الرواية حوالي ست عشرة صفحة كبيرة هذه قصة الإسراء والمعراج متكاملة، وأما التخريج فحوالي أربعين صفحة الطرق والروايات وكذا التي جاءت منها هذه الألفاظ إن شاء الله تعالى .
سؤال : الرسالة التي تنسب لابن عباس في قصة الإسراء والمعراج
_ لا هذه باطلة كذب هذه معراج ابن عباس .
…. سؤال غير مسموع
_ لا، التردد و … ورد ما هو أكثر من هذا وهو منام رأيت كيف ؟ يعني تعرف وردت نصوص كثيرة بالذات في … وعموما يعني أذكر لك كل المبحث صعب يأخذ وقت طويل، لكن من ضمن الأشياء وهو رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لقصر عمر، هذا كان في الجنة ونص البخاري على أنه منام، وورد معه رؤيته لبلال فيقول (إني سمعت خشخشة نعليك في الجنة) فهذه أيضا كانت في حادثة الإسراء، ففي ارتباطات بروايات كثيرة جدا منها ما نُص فيها على أنها منام ومنها رواية البخاري نفسها التي أنا أقول عليها رواية شريك ، هي رواية شريك عندنا في الصحيح مصرحة رأيت كيف ؟ أنه بالروح فقط واستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزوله وما ذكرت الإسراء ، هذه الرواية ذكرت المعراج فقط _ رواية شريك _ لم تتعرض للإسراء بتاتا.
فهنا أشكل قضية أنه قال (فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام) فهنا أيضا خلاف بين أهل العلم، منهم من قال إن المعراج كان سابقا للإسراء ومنهم من قال الإسراء كان سابقا للمعراج، فالذي قال بأن المعراج كان سابقا للإسراء خلاص التأمت الروايات، لأنه بعد ما استيقظ أخذه جبريل وركب به البراق وأسري به إلى المسجد الأقصى فرأى ما رآه بالروح رآه في اليقظة، رأى أشياء وهو بالروح وهو رؤية الأنبياء كلما مر على سماء كان يقول لجبريل من هذا، فيخبره ويقول هذا موسى هذ إبراهيم مثلا عليهم السلام، فلما جاء إلى المسجد الأقصى فيقول (فإذا الأنبياء جميعا يصلون) عرفهم من وين؟ لأنه رآهم كيف عرفهم يقول : فإذا إبراهيم ، ووصفه ، ثم يقول فإذا موسى ، ووصفه، ما سأل جبريل ما سأله من هذا ومن هذا ، لا، هو عرفهم من الأول، وأما المرة الأولى كان يستفسر ، وهذا من أدلة من قدم المعراج على الإسراء لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله في المعراج ولو كان رآه في الإسراء لما سأله من هذا، عرفه ها، فهذه من الأدلة التي ذُكرت في هذه القضية وطبعا الموضوع الخلاف فيه كبير جدا يعني بين السلف والخلف كلهم، هل الإسراء كان بالروح أم بالجسد ؟ هل المعراج كان في نفس الليلة حتى؟ فيه خلاف طبعا . هل الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة ؟ أم المعراج تقدم قبلها بشهرين أو ثلاثة أو كذا، ومنهم من قال في المدينة ومنهم من قال في مكة ومنهم من قال قبل البعثة ومنهم من قال بعد البعثة ومنهم من قال تكرر عدة مرات لأجل الاختلاف بين الروايات لأن الاختلاف كبير جدا، يعني الجمع بين هذه الروايات كان من أصعب ما يمكن أني أسوقها في سياق واحد، من أصعب ما يمكن.
… رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء …. كيف رآهم وهم ميتون ؟
– هذه أولا بالنسبة للمعراج ما فيه إشكال على القول بأنه بالروح لا تتعدى أن تكون رؤيا، وأما الإسراء فشيخ الإسلام ابن تيمية رجح أنه رأى الأرواح أو اجتمع بالأرواح فما فيها إشكال .
… يعني التقى بالأرواح ؟
_ بأرواحهم نعم، ولو التقى بالأجساد فهذه قضية ثانية تحتاج إلى بحث أطول هل الذي التقى به الأرواح أم الروح والجسد فيها خلاف، ولكن على القول بأن الأجساد باقية في قبورها فالالتقاء بالأرواح .
…سؤال عن صفة البراق
_ البراق ؟ .. دابة بيضاء يعني تضع حافرها عند منتهى بصرها وفي رواية في مسند أبي يعلى بإسناد صحيح عن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه رآها فقال: “صفها لي يا رسول الله؟” فقال : (هي كذه وذه) وصفها وصفين، والإمام البيهقي في الدلائل يقول أيش ؟ “جاء في رواية أخرى هي كريمة وديمة” وهي صفة للدابة ، وفي رواية أنه قال فرس وفي رواية أنها بدنة، فعموما ممكن تقول تشبه البدنة وهي بيضاء وكان يركبها الأنبياء من قبل، يعني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط يركبها يعني هي مشهورة كان يركبها الأنبياء، فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم يركبها نفرت وشمست لبعد عهدها بركوب الأنبياء، نعم.
… سؤال غير مسموع
_ ممكن، يعني الاحتمال قائم ولكن هناك مرجحات ترجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام وهو أنه رأى موسى في قبره يصلي فقالوا انتقال الروح أمره مقبول جدا يعني والنصوص متضافرة عليه التقى بأرواحهم في المعراج والتقى بأرواحهم في المسجد الأقصى وفي نفس الوقت الروح كانت في الجسد وكان يصلي موسى في قبره . أما قضية انتقال الجسد فمعناها فراغ القبر في لحظة من اللحظات من الجسد ، وإذا ردت الروح في الجسد هذا نوع من الحياة… وكيف ظهر الأنبياء وبعثوا له هذا كأنه بعث لهم في نفس بيت المقدس لكن إذا قيل إنها أرواحهم، يعني أرواحهم ما عاد فيها الإشكالات هذه ، وليس هناك شيء على الله تعالى ببعيد، نعم.
… ياشيخ ثم دنا فتدلى ….(انقطاع)
_ تقول (أحسن إلي فأكرمني) أو (أكرمني فأحسن إلي) كلاهما واحد فكذلك “دنا فتدلى” تساوي “تدلى فدنا”، فالتدلي يكون بمعنى القُرب فدنا أيضا فقرُب وكما ذكرت هو الإشكال بالذات ما يشكل على أهل السنة الحمد لله يقول : دنو يليق بالله سبحانه وتعالى ما فيها إشكال يعني الأمر يصير واضحا جدا ، وإنما الذي يشكل عليهم غالبا الناس الذين عندهم استشكالات في كيف دنا وكيف تدلى الكيفية عند الله سبحانه وتعالى .
فاصل العشاء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد؛
فإكمالا لما بدأناه من بعض الفوائد التي تتعلق بالسيرة، الإخوان مصرون على أن يكون الكلام في بعض الأمور التي تتعلق بالسيرة .
والحديث فيها لا يُمل ولا ينتهي الاستفادة من الدروس والعبر التي تؤخذ من السيرة، وهناك أمر قد يكون مفيدا لجميع الحاضرين وهو الاستفادة من السيرة بالذات في المرحلة المكية التي صٌهر فيها الصحابة وتربوا فيها وكانت المرحلة التي عقبت تلك المرحلة ما هي إلا نتيجة لإيش؟ للمرحلة المكية.
وإذا تدبر الإنسان هذه المرحلة يجد فيها من الدروس والعبر الكثير، وأول ما يتبادر إلى الذهن هو ما نشعر به جميعا إلا من رحم الله، من تقصير في الطاعة وعدم الشعور بالخشوع واستحضار هيبة الله سبحانه وتعالى والتأثر بتلاوة كتابه سبحانه وتعالى، وإعظام أوامر الله عز وجل وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأمور التي تحز في نفس كل مسلم ويتمنى أن يكون من الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم.
أين نحن من هذه النوعية التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه، وذكر أن هؤلاء هم المؤمنون حقا، أين اقشعرار الجلد عند تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى ؟نحن نسمع كلام الله ليل نهار وللأسف كثير منا يعني يسمع كلام الله سبحانه وتعالى وهو لاهٍ، يتكلم، يشرح ، ينشغل ، أين هذا التأثير الذي كان يشعر بهى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ هذا له عامل كبير جدا يتبين بدراسة السيرة.
ويذكرني ذلك ببيت يعني كنت قرأته على بعض الجدران يقول أيش الشاعر:
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فإذا أراد الإنسان أن يبلغ مثل هذه الدرجة فلابد من مرحلة هامة جدا وهي جهاد النفس، ومرحلة جهاد النفس من أصعب المراحل وهناك أشياء تساعد الإنسان على مجاهدة نفسه، وتنتج معه إنتاجا كبيرا، وهو يعني نستطيع أن نحصرها في أن يحصل الإيمان بعد التعب والمشقة، هذه النقطة التي اختلفنا فيها عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي نقطة أساسية جدا، نحن بحمد الله سبحانه وتعالى ولدنا في الإسلام وتربينا في الإسلام وتعلمنا القرآن في الصغر قبل ما نعي وقبل ما ندرك، وفي كل مكان الدين والصلوات والمشايخ والعلم وكذا، فما أخذنا هذا الدين بعد جهد وتعب ومشقة، حصلناه بكل يسر وسهولة، فلم نشعر بقيمته كما يقولون :
….. والعود في أرضه نوع من الحطب
ما يشعر بقيمة العود الناس الجالسون في الهند، فالعود يملأ البلد، لكن يشعر به من؟ الذين ما عندهم العود .
فنحن ما شعرنا بقيمة الدين الذي نحن نعيش في بركاته وتربينا في كنفاته هذا ما شعرنا بقيمته إلى الآن إلا من رحم الله .
فلو تدبرنا في سيرة الصحابة في تلك المرحلة نجد العجب العجاب، يمكن ما واحد منهم إلا ضُرب، ضرب ضربا في بداية الدين وابتلي وضُيق عليه وشُدد عليه وتحمل مشاق الدعوة الشيء الكثير، لأجل هذا هو قابض على دينه أيش ؟ بقوة، ما يمكن يفرط في هذا الشيء الذي حصله بصعوبة بالغة وبذل لأجله الغالي والرخيص والنفس والنفيس.
ونحن ماذا بذلنا للدين ؟ ماذا عمل الإنسان لدين الله سبحانه وتعالى ؟ هل يتخيل منا واحد أن يُضرب في الشارع في وسط الناس في سبيل الله، أن يُضرب من أجل أنه يدعو لله سبحانه وتعالى ، بدءا بالنبي صلى الله عليه وسلم ضُرب حتى قيل مات عليه الصلاة والسلام، ضرب ضربا لو أنت تتخيله مع أحداث القصة التي ضرب فيها النبي صلى الله عليه وسلم ما يمكن أن تحتمل أن ترى رجلا يضرب في الشارع بهذه الصورة، تخيل أنت : رجل كبير محترم فاضل وتجده ملتفا حوله عصابة من الفاسدين جالسين يضربون فيه يضربون فيه حتى يسقط في الأرض ويبرك فوقه واحد منهم، تخيل أنت ماذا يكون شعورك؟ إذا رجل عادي رجل كبير ما تتحمل مثل هذه الصورة، فما بالك بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حصل له هذا وماذا بعد، أبو بكر الصديق، ما وجدوا أحدا يستنجدون به في مكة إلا أبا بكر، لكن أبو بكر ماذا عنده ؟ هو كذلك ما له حيلة، ولكنه جاء منقذا للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: “فذهب الصريخ لأبي بكر الصديق قالوا: أدرك صاحبك فقد قُتل” أي النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء أبو بكر مسرعا له أربع غدائر ..أربع ضفائر، شعره يضفره أربع ضفائر، أسماء تقول: “والله لقد خرج من عندنا وإن له لأربع غدائر” فأقبل يقول: “أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم” ويدافع عنه، فقالوا من هذا، قالوا أبو بكر المجنون، عادي جدا الواحد منهم ينضرب يسب متحمل، جاءه يعرف ما سيحصل له ، وأبو بكر يدري إذا ضربوا الرسول ما يضربوه؟
فيقول: “فتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيش؟ واجتمعوا على أبي بكر” تقول أسماء: “فوالله لقد رجع إلينا وما يمسك شيئا من شعره إلا جاء معه” من كثرة الضرب يمسك شعره يأتي معه مما فُعل به رضي الله تعالى عنه.
وهل هذه هي المرة الأولى أو الوحيدة التي ضُرب فيها أبو بكر الصديق ؟ ضُرب مرة في بداية الإسلام يعني بالنعال، يقول : والله جلسوا يضربونه بالنعال حتى ما عُرف وجهه من أنفه أو أنفه من وجهه، استوى الوجه مع الأنف مع كثرة الضرب وحُمل إلى بيته صريعا ما سيشكون أنه قُتل، هذا أبو بكر الصديق.
طيب، عمر .. عمر ضُرب أشد من ذلك وهو عمر بن الخطاب انظروا شدته وبأسه ومنزلته في قومه لكن لما أسلم قالوا صبأ عمر يقول: “فمال علي أهل الوادي”، ابن عمر يقول: “إني واقف فوق سطح البيت وأنا غلام صغير أعي ما يحصل، يقول : فوالله وجدت الوادي قد سال بالناس”، يا جماعة واحد لو اجتمع عليه خمسة أو ستة أيش يعملون فيه ، هذا واد يسيل بالناس يلتم على واحد فقط، يقول: “فوالله قاتلهم حتى ارتفعت الظهيرة” عمر لحاله، حتى خارت قواه ما أنقذهم منه إلا رجل كافر جعله في جواره، أجاره أول يوم ثم اليوم الثاني بعده ، وضُرب وضرب ويتحمل، هذه بس في البدايات هذه يوم أسلم عمر يعني غير ما حدث أثناء الفترة المكية كلها من تحمل الأذى تنوء بحمله الجبال.
أبو ذر الغفاري يوم أسلم ..حتى ما أسلم فقط جاء يتعرف على النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل أخاه أُنيسا وكان شاعرا … هم جاءوا من غفار معهما يعني أمهما، يقول: “أرسلت أخي أُنيس … لأن أبا ذر الغفاري كان يصلي قبل البعثة وقبل ما يعرف النبي صلى الله عليه وسلم، كان يصلي الليل كله حتى يُلقى كأنه خِفاء –يعني مثل الثوب البالي من شدة التعب من الصلاة، طبعا هذه كلها روايات صحيحة- يلقى يقول : ما يُوقظني إلا حر الظهيرة” من شدة التعب من الصلاة، ثلاث سنوات صلى قبل أن يُبعث النبي أو قبل أن يعرف النبي صلى الله عليه وسلم .
…كيف الصلاة ؟
_ الصلاة ..أصلا هو يقول: “أتوجه حيث وجهني الله” لما سُئل كيف كنت تصلي يا عم ؟ عبد الله بن الصامت تلميذه هو الذي سأله، لكن عموما الصلاة أصلا كانت في ديانة أهل الجاهلية وتركوها كما للأسف ترك الصلاة بعض أمة النبي صلى الله عليه وسلم الآن، لأن أهل الجاهلية أمة إسماعيل عليه السلام وبقوا على دين إسماعيل فترة طويلة جدا من الزمان حتى جاء فيهم عمرو بن لُحي أول من غيّر دين إسماعيل هو، ثم فرطوا تركوا الصلاة تركوا الزكاة، كانت عندهم هذه الشعائر، فبقي عندهم شيء ولأجل هذا كان نفس زيد بن عمرو بن نُفيل كان يتوجه إلى الكعبة ويصلي ويسجد على راحته أسماء تقول هكذا، كان يسجد على راحته وما يحضره كيفية الصلاة التي كانت تصلى لله سبحانه وتعالى، فأبو ذر الغفاري لما علِم بالنبي صلى الله عليه وسلم قيل له إن بمكة رجل يقول بمثل ما تقول يعني يشبهك في بعض الأشياء فأراد أن يتعرف فأرسل أخاه أنيسا ، فذهب أُنيس وجاء يقول : والله الرجل يقول كلام ما هو بقول شاعر ولا كذا، وهو رجل شاعر، فقال: “ما أشفيتني” فراح هو بنفسه لأجل يتحقق من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلم منه، فلما دخل مكة أراد أن يسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فسأل، فجاء إلى رجل استضعفه، قال : فقلتُ: “أين الذي تدعونه الصابئ ؟” فالرجل أول ما سأل عنه قال: “الصابئ”، ثم التفوا عليه كلهم يقول: “فمالوا عليّ ميلة تركوني وأنا كالنصب الأحمر من الدم” كله صار دما من الضرب وما أسلم بعد، يعني هذا أبو ذر الغفاري ضُرِب حتى دمي.
ابن مسعود يعني جاء من طريقين يقوي بعضهما الآخر، أنه أول- من جهر بالقرآن في مكة وقد فصل هذا ابن إسحاق بالسند الأول وذكر أنه أراد أن يجهر بالقرآن قال: “والله لأجهرن به بين أظهرهم”، قالوا نخاف عليك، فقال والله لأجهرن به بين أظهرهم ! ابن مسعود أيش ؟ رجل راعي غنم كان يشتغل عن عقبة بن أبي معيط، لكن عنده نفس عالية جدا يعرف أنه على الحق فما يرضى أن يكتم هذا الحق في نفسه، فجاء في وسط أندية قريش وجلس وبدأ يفتتح سورة الرحمن وبدأ يقرأ فقالوا من هذا؟ قالوا ابن أم عبد، قالوا : وماذا يفعل ؟ قالوا : يتلو بعض ما جاء به محمد _ عليه الصلاة السلام _فقاموا وانهالوا عليه وضربوه ضربا حتى كاد أن يموت، فلما كلموه بعد ذلك الصحابة قال :”وإن شئت لأجهرن غدا فيهم” .
فكان عندهم الجلد والتضحية والفداء، الآن هناك أناس في أمس الحاجة لمن يعلمهم لمن يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى لمن يصلح لهم عباداتهم، عندهم شيء في اعتقادهم يحتاج إلى إصلاح يصلح، عندهم شيء في عبادتهم يحتاج إلى إصلاح يُصلح من الذي يقوم بهذا الشيء ؟ تُرك هذا الأمر لبعض الناس الدراويش الذين لا يعرفون .. فلابد أن نقوم نحن بهذا العمل، كل من يتيسر له الدعوة إلى الله ولو في محيطة لأجل أن يتحمل لو ذاق ..لو ذاق فعلا تحمل هذا الشيء وأهميته وكيف تأثيره على نفسه، ما توانى لحظة.
أضف إلى هذا قضية قيام الليل التي يقصر فيها أكثر الناس إلا من رحم الله، أيضا هذه لها تأثير كبير، الصحابة الله عز وجل دربهم تدريبا في أول الإسلام جلسوا حولا كاملا، سنة كاملة، مفروضا عليهم قيام الليل، نزلت أول سورة المزمل في بداية البعثة، فأمرهم الله سبحانه وتعالى بقيام الليل حولا كاملا، يقول : حتى انتفخت أقدامهم، هذا تدريب .. تدريب على العبادة وعلى تحمل المشقة وعلى أن هذا الدين ما هو دين فقط يأخذه ويمشي.. لا ، هذا دين فيه مسئولية وفيه تكاليف لابد أن يتحملها، فالذي يتحمل هذا في بداية الأمر وهو على خلاف ما عليه قومه جميعا هل تظنون أنه لا يضحي من أجل هذا الدين من بعد أن رسخت قدمه وتربى ورأى جمال هذا الدين وما فيه من الخير؟ لا يمكن. ما يمكن ما يضحي ، ما يمكن يشتري شيئا من عرض الدنيا بهذا الدين أبدا .
وأما نحن فالحمد لله الواحد ولد في الإسلام وقام تعلم الصلاة ما عمره أخد كفا لأجل الدين صح؟ ولا تُفل في وجهه، النبي صلى الله عليه وسلم تُفل في وجهه مرتين وهذا الثابت بالأسانيد الصحيحة فما بالك بما لم يثبت ؟ وبما لم يُنقل ؟ بُصق في وجهه صلى الله عليه وسلم مرتين .. النبي صلى الله عليه وسلم ! الواحد منا يُبصق في وجهه كيف يتحمل هذا الشيء ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو خيرة من كان على ظهر الأرض ويُبصق في وجهه ويتحمل في سبيل الله.
الواحد منا إذا جاء يدعو بعض الناس وما وجدهم منتبهين نفسيته كلها تدمر ثم لا يعرف يتكلم يضيع الكلام منه إذا وجد الناس مشغولين عنه ويشعر كأنه يعني ظُلم كأنه يقول أنا جالس وأتعب حالي والناس ما عندهم استجابة …إذا وجد بعض الناس منشغلين ! وهو أيش هو ؟ ما هو هذا الشخص؟ ما يسوى شيء، فما بالك بالنبي صلى الله عليه وسلم يقف من الصباح إلى استواء الشمس في كبد السماء في مشرق ثقيف في سوقهم يدعوهم وينصحهم ويتفرجون عليه، حتى تركوه وما أجابه واحد ، واحد فقط .. والنبي صلى الله عليه وسلم لحاله يذهب إلى ثقيف الطائف ويقف في وسط السوق ولا واحد يستجيب له . حتى ابنته زينب يعني أشفقت عليه جاءت تبكي من حاله .. سبحان الله نصف يوم في حرارة الشمس واقف ولا واحد يستجيب لك وماشين يسخرون والذي يضحك وينفضوا عنه بعد ما تعبوا وجاءت حرارة الشمس خلاص صارت الناس تتفرج عليه سبحان الله كما تتخيل أنت : إنسان مجنون في الشارع والناس تلتف حوله وهذا يكلم الثاني ويتفرجون عليه ويروحون ويجيء جماعة ثانية يتفرجون ويروحون والنبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى ماذا ؟ إلى لا الله إلا الله، إلى أن يوحدوا الله سبحانه وتعالى ! فكانت ابنته تبكي، ما عنده حتى من يأتيه بكأس من الماء في هذا الموقف وهي تأتيه بكأس من الماء، ابنته ! تخيل : رجل واقف يدعو ما يلحقه إلا امرأة بنت من بناته تأتيه بكأس من الماء، هذه الوحيدة المشفقة عليه في العالم، ويتحمل هذا الألم كله وألم هذه الدعوة ؟!
هذه المواقف أثرت في الصحابة وكانت لهم درسا شديدا جدا ، فلأجل هذا هانت عليهم أنفسهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لحاله كان يتحمل هذا الشيء . فأتته وهي كاشفة عن نحرها فقال: “يا بٌنية، خمري عليك نحركِ” ما كان نزل حجاب ولا كان نزل شيء يتعلق بهذا الأمر ومع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ينتبه إلى هذه القضية التي تتعلق بنخوة الإنسان ، مالها علاقة حتى بالتشريع نزل أم ما نزل ولكن قال: “يا بٌنية، خمري عليك نحركِ فإن الله لا يخذل أباكِ” أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فمثل هذه المواقف كلها والحياة العملية معها وتصورها هي التي تبعث في قلب الإنسان الخشوع وتبعث في قلبه الصلة الوثيقة بالله سبحانه وتعالى، وأما بغير هذا طالما الإنسان يعيش حياته كلها في الراحة والدعة والسكون والهناء ما عمره يشعر بهذه الأمور أبدا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله على محمد وعلى الله وصحبه وسلم.