لماذا علينا اتباع السلف ؟ وهل يجوز التفرد عنهم ؟
هذه إجابة سؤال من الأسئلة الواردة في كتيب ( جلسة علمية مع طلبة العلم من بريطانيا 1419هـ ) الذي سينشر قريبا إن شاء الله تعالى
افتتاح الجلسة من الأخ أبي عمران المشرف على مسجد بريستون :
-بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد،
فإنه ليسرنا جدا بأن نلتقي مع الشيخ، محمد بن رزق الطرهوني، أحد الباحثين في علم الحديث في المدينة النبوية، ومعنا في هذه الجلسة المباركة إن شاء الله تعالى بعض إخواننا من بريطانيا، الذين أتوا إلى هذه الديار معتمرين، وياحبذا ياشيخ أن نوجه إليك بعض هذه الأسئلة التي تثبتهم في دعوتهم في ديارهم،
فالسؤال الأول الذي نسأله هو هل يمكنك يا شيخ أن تبين لنا أهمية اتباع ما تركه لنا السلف الصالح.
الطرهوني :
– في الحقيقة، هذا السؤال الجواب عليه يطول، ومن الممكن أن نجمل ذلك في شيء يسير وموجز، كأنها رؤوس أقلام :
بحمد الله سبحانه وتعالى، وصلنا الدين من غير نقص من الثقات العدول عن الثقات العدول، سواء كان ذلك عن طريق الجميع عن الجميع ، مثل القرآن الكريم الذي جاءنا بنقل التواتر ، وسواء كان الحديث الذي ينقسم إلى المتواتر والآحاد، والذين نقلوا هذا القرآن، والذين نقلوا هذا الحديث، هم علماء الأمة خلفا عن سلف، حتى وصلنا، ولكن هذا القرآن وهذا الحديث يحتاج إلى أمر آخر غير صحة النقل، وهو أننا الآن في هذا الزمان لغتنا وفهمنا يختلف كثيرا عن حال من نزل القرآن ونزل الحديث بين أظهرهم، لا أقول بعض الألفاظ، لكن أحيانا نفس الملابسات المحيطة بنزول القرآن وبنزول الحديث، وتعرفون طبعا الحديث وحي من الله عز وجل مثل القرآن، فاللحظة التي النبي صلى الله عليه وسلم يتلو فيها قرءانا على أصحابه، أو يذكر لهم شيئا من أمور الشرع، يكون قد أحاط بها كثير من الملابسات، وتعبيرات وجه الرسول عليه الصلاة والسلام، والموقف، وسبب النزول، وسبب ورود الحديث، مسائل كثيرة تحيط بنفس النص، فنحن إذا أخذنا النص بدون النظر إلى مثل هذه الأشياء المحيطة، أولا نقصر في فهم النص لو كانت عندنا الملكة اللغوية القوية، ونحن الآن قد فقدنا ذلك تماما، الملكة اللغوية فقدت تماما، لماذا ؟ لأننا لا نتكلم فيما بيننا بلغة عربية، ولم نترب في بوادي وبين أيدي أناس يتكلمون اللغة العربية الفصحى، واختلط العرب بالعجم، وتناقلوا منهم كلمات وتغيرت الألفاظ، فأصبح أحيانا إذا قرأ الإنسان شيئا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو من بعض الدول العربية التي تتكلم اللغة العربية وهم مسلمون، إذا قرأوا شيئا من القرآن لا يفهمونه، فإذن من ناحية اللغة، هناك تقصير، من ناحية الملابسات المحيطة بتنزل الوحي، لابد من الإحاطة بها، فهنا السلف الصالح كانوا هم يحلون لنا هذه الإشكالات .
أولا السلف الصالح إذا أطلقوا ففي الغالب يعنون بهم الصحابة رضي الله عنهم، أو التابعين، أو تابعي تابعيهم مع التنزل، طيب، يعني غالبا ينظر في فهم الروايات يقال إن هذا فهم السلف، إذا كان هذا فهم الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين، وغالبا من أتى بعدهم أصبح يقول هذا فهم السلف، يعني حتى عهد الإمام أحمد وعلماء الأمة الكبار، هم يقولون هكذا كان يقول السلف، نعم، فسلف الأمة هذه القرون المفضلة التي شهد لها الرسول عليه الصلاة والسلام قال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .
فلماذا نحن نقدم فهم السلف ، ولا بد من فهم السلف وإلا ضللنا ؟
لأن هؤلاء هم الذين نزل بين أيديهم الوحي، كيف؟ الأصل أنهم الصحابة، والصحابة يجلسون مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذا تكلم كلمة، فالصحابي يفهم، بتعبيرات وجه الرسول عليه الصلاة والسلام، يعلم لماذا نزلت الآية في هذا الموطن، الصحابي يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام ويتتلمذ على يديه، لنفترض، أحد طلاب العلم تيسر له أن يجالس مثلا الشيخ ابن باز، يعيش معه ويساكنه، هل تظنون أنه كلما خطر في ذهنه سؤال سيتركه، أم يسأل الشيخ ؟ ينتهز هذه الفرصة، فكذلك الصحابة رضي الله عنهم، كان منهم من هو يعيش مع النبي صلى الله عليه وسلم، ابن عباس مثلا، خالته ميمونة رضي الله عنها، فخالته زوج النبي صلى الله عليه وسلم، هو في بيت النبوة، علي بن أبي طالب متزوج ابنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وبيته بجانب بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الصديق صديقه وملازم له، كان ابن مسعود صاحب السواك والمطهرة وكذا، كان بلال صاحب النفقات، فتجد الصحابة كانوا ملاصقين جدا للنبي صلى الله عليه وسلم حتى أبو هريرة يقول لقد كنت أتبع الرسول صلى الله عليه وسلم على شبع بطني، مجرد يأكل معه، وباقي الوقت متفرغ، متفرغ، فمثل هذا لا يمكن أن يمر به سؤال إلا ويسأل الذي ينزل عليه الوحي، فإذن إذا أفتى بفتوى، أو قال هذا معناه كذا، أو هذا الفهم كذا، لا بد أن يكون مقدما على فهمنا نحن، لأنك الآن تسمع الحديث، ما تعرف ما الذي أحاط به ولم قاله النبي صلى الله عليه وسلم، و …و… ، ما تعرف، فإذن هذا فهم الصحابة .
إذا جئنا للتابعين سنجد أن الأمر مثل ذلك تماما، مثلا عكرمة رضي الله عنه أو رحمه الله، يقول، كل ما أقوله في القرآن فإنما هو عن ابن عباس، وإن لم أقل، كل ما أقول في القرآن فهو عن ابن عباس، ليش، هذا كان مولاه، يخدمه، ويجلس معه، فمن أين يأتي بعلم القرآن، حتى في بعض الروايات يقول كان ابن عباس يقيد رجلي بالحديد، يربط له رجله حتى يتعلم التفسير، فما تعلم التفسير إلا من ابن عباس . مجاهد، يقول عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين عرضة، وفي رواية يقول ثلاث عرضات أسأله عند كل آية، فيم نزلت ولم نزلت ، و… و… ، فإذن فهم التابعين كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير و… و… هؤلاء ما تتلمذوا إلا على الصحابة، إذن أخذوا العلم من الصحابة .
تابعو التابعين قلنا مع التنزل، لأن أكثرهم وغالبهم أخذ عن التابعين أيضا وكانت الأمور ما انتشرت كثيرا، وما اختلطت الألسنة، وما يعني انتقل يعني التابعون الذين هم تلاميذ الصحابة تفرقوا وبدأت الفتن وبدأت المشاكل، ما كانت بدأت إلا بعد هذه العصور تقريبا بصورة يعني مطولة، بحيث أنها تؤثر في العلم .
فهؤلاء هم السلف الصالح، فهمهم عبارة عن فهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع شيء من التغيير الطفيف، لأنهم إما صحابة تتلمذوا على يد النبي صلى الله عليه وسلم وعاينوا نزول الوحي ، وألفاظ الحديث يعرفون كيف قيلت ولماذا قيلت وأين قيلت ، وإما تلاميذهم، نعم، أما إذا جئنا نحن الآن، فكيف نفهم ؟ لعل هناك بعض الكلمات إذا تذكر أمامنا الآن تفهم فهما خاطئا جدا، وأذكر لكم على سبيل النكتة، بعض الإخوة الفضلاء وهم من بادية “المملكة العربية السعودية” ويتكلمون اللغة لا بأس، يعني لغة المملكة ما دخلها شيء من التحريف كبير، ولكن ما زال فيها طبعا يعني اللهجات العامية، ولكنهم لما قرأوا حديث النبي عليه الصلاة والسلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، هذا الحديث ذكره الشيخ الألباني في أظنه صحيح الجامع أو كذا، فكانوا يقرؤون في صحيح الجامع، أو في كتاب صحيح الترغيب والترهيب أو شيء من هذه الكتب للشيخ الألباني، فقرأوا هذا الحديث، وأفاجأ بهم يتصلون بي هاتفيا، يا شيخ مشكلة، ماذا؟ قالوا يا أخي قرأنا حديثا للشيخ يقول صحيح يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، أين تقضي حاجتها ؟ هو فهم الحمام هذا المرحاض ! المراحيض التي بنيت في البيوت، وأما الحمام في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام فكان يقصد به الحمامات العامة التي يستحم فيها الناس ويختلط النساء بعضهم ببعض والرجال بعضهم ببعض، وتتكشف العورات و… و… وتخلع المرأة لباسها ويحدث فيها ما لا يقره الشرع، ففهموا هذا وقالوا : إذن ما ندخل حليلتنا الحمام ! طيب فأين تقضي حاجتها ؟ وهذا عربي من الجزيرة العربية، فما بالك بواحد خارج الجزيرة وتأثر بالاحتلال، الحمد لله الجزيرة ما حصل لها احتلال، وأما باقي دول المسلمين تقريبا كلها احتلت، فحصل فيها تغير شديد في اللغة ، وحصلت هجمات على اللغة العربية، بالذات في الفترة السابقة لما نحن فيه من الزمان الآن، كانت حصلت هجمة شرسة على اللغة العربية يريدون أن تجنب اللغة، وتعمم اللغة العامية، يقولون حتى يفهم الناس ، يريدون الخطابة باللغة العامية ويريدون كل شيء يكون باللغة العامية، حتى تضيع اللغة العربية فلا يفهم القرآن . وأما هؤلاء فكانت المرأة الأعرابية في الصحراء، لعلها إذا أرادت أن تتكلم تتكلم بشعر، شعر موزون، وفي قمة من البلاغة، هذا طبعا هؤلاء يفهمون، هذا يعتبر لسانهم، ونحن وفي العصور السابقة أيضا، ما عدا عصور السلف، يعتبر الفهم كأنه يسمع كلاما ليس من لغته، في الحقيقة، يسمع النصوص كأنها من لغة أخرى، ولو أن الكلمات متشابهة ولكن أصبح استعمالها توضع في مكان غير مكانها، يراد بها غير الذي يراد، فهذا من ناحية اللغة .
ومن ناحية الملابسات مثل ما ذكرت لكم، فالسلف الصالح، تلاميذ الصحابة أو الصحابة، عندهم العلوم التي تؤهلهم لفهم النص، بخلاف اللغة أيضا، اللغة وما يحاط بالنص حتى يفهم، هذا عند السلف الصالح، أما عندنا نحن فلا .
أضف إلى ذلك، أن الجو الإيماني الذي كان يعيش فيه السلف، وقرب عهدهم بالدعوة إلى الله عز وجل وبانتشار الإسلام وقوة الإسلام وعزة الإسلام، وتفرغهم لطلب العلم، ليس مثلنا شغلنا بالدنيا وبالأشياء هذه، فتفرغ هؤلاء وزهدهم في الدنيا أهلهم أيضا لتفتح القلوب وتفتح الأذهان لفهم كلام الله وفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخلاف عصورنا والعصور أيضا التي تبعتهم ، بدأت فيها الفتن، وبدأت فيها المشاكل، وبدأ فيها حب الدنيا، وفتحت الدنيا، وانشغل الناس بأشياء كثيرة خلاف الشرع والاهتمام به .
– السائل : حليلته ماهي الحليلة؟
– الطرهوني : زوجته.
– السائل : طيب بالنسبة لذكر الصحابة وهؤلاء السلف يسأل الأخ هل يجوز لنا في عصرنا هذا مثلا أحدنا ينفرد برأي ما سبق إليه، ومثلا عين المسألة كانت موجودة في عصرهم، هل هذا شيء يجوز؟
– الطرهوني : والله ياأخي هذه المسألة في الحقيقة صعبة جدا، نحن يمكن نجوزها جوازا عقلا وشرعا، ولكن حقيقة فلا أظن، هذا يعني قناعتي الشخصية، كيف؟
عقلا ممكن طبعا الإنسان ينفرد، ما أحد يستطيع يقول إنه يمتنع في عقول الناس، شرعا أيضا ما يمنع من أنه والله أي واحد يفهم فهما ويكون صحيحا لأن الفهم ليس حكرا على أحد من المخلوقين إطلاقا، إلا الذي هو معصوم، الأنبياء، وأما الصحابي ولو أنه صحابي وكل ما ذكرناه، ولكنه معرض للخطأ وللصواب، ونحن لا نعظم أحدا، ونرفعه فوق منزلته من البشرية، وما عندنا إلا الشيء الذي لا يحيد الإنسان عنه بحال من الأحوال ولا يجوز له مخالفته إلا قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أقل ما يقال، هذا الآن في الحقيقة،
الحقيقة ما يمكن هذا، ليش؟، لأنه إذا جاء الإنسان ففهم فهما، ولو كان الفهم هذا صحيحا فلا بد أن يخالفه، لماذا؟، لأنه لابد أن يتهم فهمه، عرفت كيف؟، لابد أن يتهم فهمه، فإذا لم يتهم فهمه فهذا عيب فيه، كيف؟!، محمد رزق فهم فهما، وهذا الفهم سول له الشيطان أنه صحيح ولو كان قول الصحابة على خلافه وقول الأمة على خلافه وهو الآن الذي تفرد بهذا القول ولم يسبق إليه، هذا يعني أنه فهم في قلبه وفي نفسه أنه فهم ما لم يفهمه هؤلاء، وأنه متمكن جدا حتى استطاع أن يخرج هذا الفهم الذي لم يفهمه الصحابة ولم يفهمه علماء الأمة، وأنه قد أحاط بالمسألة من جميع جوانبها، وإلا كيف يخالف الصحابة وكيف، هذا الشيء مستحيل، لأنه في زماننا الآن كوني أنا أدعي في نفسي أو فلان أو فلان يدعي في نفسه أنه أحاط بالأدلة كلها وفهم المسألة فهما دقيقا استطاع أن يخرج به ما لم يخرجه الصحابة وسلف الأمة، صعب جدا هذا، يعني هذا يدل على كأني أقول مرض في نفس المتفرد هذا، لأنه لو كانت نفسه سليمة، لاتهم نفسه، وقال : لعلي ما فهمت، ما مدى علمي، ماذا أحفظ من كتاب الله، ماذا أحفظ من أحفظ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا أعرف من الفقه في الدين، ما أعرف شيئا، لعلي فهمت هذا الفهم وهو خطأ، كيف لغتي ؟ ما أعرف شيئا في اللغة، يتهم نفسه بالعجز والقصور ولا يتهم الصحابة بالعجز والقصور.
– السائل : (غير واضح السؤال)
-الطرهوني : يعني هذه النقطة وجيهة أيضا، ولكن قد يقال إن الإنسان متعبد بما تبين له من الحق، فهم على حق والحمد لله، هذه القرون كلها ، لأنهم متعبدون بما فهموا، فإذا جد شيء أو ظهر شيء في الدين ما كان معروفا في زمانهم، هم ما قصروا وما أخطأوا، ولكن إذا علمنا الشيء بعد ذلك لابد علينا أن نطبقه، بمعنى إيش، أنه لو وصلك حديث مثلا عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وماوقفت على أحد من السلف قال لعل هناك من قال لأنك لاتستطيع أن تحصر أيضا أقوال السلف الصالح وكذا، فممكن تقول لا يا أخي أنا أتمسك بالحديث مثلا أو بالنص الصريح وأترك مثلا ما كان عليه فلان وفلان من الصحابة لأنه لعلهم ما وصلهم هذا الحديث، هذا إذا كان حديث ، فتواهم تخالف إيش، الحديث، النص الشرعي، لأنه الدين كما تفضلت كمل بقول الله وقول الرسول صلى الله عليه وسلم، انتهى، الكتاب والسنة، هذا كمال الدين، ما بعد ذلك، فهذا ليس من أساس الدين وإنما مما يساعد على فهم الدين، نعم، فالمقصود أن الإنسان ما يتفرد بقول عن السلف الصالح وعن علماء الأمة، لابد أن يتهم نفسه، خيرا من أن يتهم من سبقه.