ترتيب القرآن حسب النزول !!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فنظرا لخطة عملي في الموسوعة الضخمة للنظر في مرويات السيرة وإخراج الصحيح منها على هيئة قصة مترابطة متصلة وجدتني مضطرا لترتيب القرآن حسب نزوله .. وقد بدأ هذا معي منذ أكثر من أربعين سنة وحتى أوفر على نفسي عندما تقدمت متأخرا للدراسات العليا حاولت أن يكون بحثي للماجستير في جزء يخدم عملي في السيرة وقد كنت آنذاك لايدان لي بالنظر في الفترة المدنية وإنما كان العمل محدودا في الفترة المكية فقررت التقدم ببحث في ترتيب القرآن المكي حسب النزول .. فقوبل البحث بالرفض لاستحالة ذلك من وجهة نظر المسئول وهو حقيق بذلك مالم يكن الناظر في الخطة في نفس درجة إحاطتي بالموضوع أو أعلى وهذا متعذر ..فأصررت على القسم فما كان من رئيس قسم التفسير إلا أن اتخذ خطوة لتعجيزي فطلب تصورا للبحث يتضمن ترتيب عشرين موضعا من القرآن المكي حسب النزول كمثال .. وهذا في الحقيقة تعجيز واضح لم يفك شفرته إلا تخصصي في السيرة خارج دراستي تلك ورئيس القسم لايعرفني ولايعرف شيئا عن أبحاثي فاللقب غير موجود في السجلات فاستعنت بالله وقدمت له ماطلب وأعانني بالطبع عملي في السيرة وإلا لعجزت جزما ..ولكن بلح رئيس القسم وأصر على الرفض حيث صدم بتمكني من عمل ما كان يقول عليه مستحيل ولم يقبل البحث .
الذي أثار شجوني وذكرني بتلك الصفحة من حياتي أحد الأفاضل من طلاب العلم منشغل حاليا بالنظر في عملي في صحيح السيرة ويسألني من حين لآخر وقد راسلني يستفهم مني عن ترتيبي لتنزلات القرآن في المجلد الثاني من السيرة وقد أشكل عليه الأمر جدا ..وحق له ..وأنا في المقدمة وعدت بعمل مستقل في ذلك عند الانتهاء من السيرة ، فحاولت توضيح الأمر له فلم يتضح جيدا لأنه يحتاج شرحا مطولا جدا إذ إن الترتيب مبني على أحداث تراكمية مع النظر في روايات النزول وترتيبه وتقديم ترتيب الأحداث عليه ..فتذكرت ماكتبته في هذا التصور لعله يوضح للأخ وغيره من طلبة العلم شيئا مما سلكته في هذا الأمر وهذه رسالتي آنذاك لرئيس القسم أضعها بين أيديكم ..أسأل الله أن ينفع بها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فإلى فضيلة الأستاذ الدكتور رئيس قسم التفسير بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أكتب لفضيلتكم هذه الوريقات كتصور عن البحث الذي تقدمت إليكم بخطته راغبا أن يكون أطروحتي لنيل درجة الماجستير والذي يحمل عنوان
(موقف العلماء من قضية ترتيب نزول القرآن المكي في ميزان العلم – دراسة نقدية )
وأبدأ بيان تصوري للبحث بإظهار بعض الفوائد التي تكمن في دراسة موضوعه فأقول:
فوائد هذا البحث :
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أولا : يظهر من الخطة أن هذا البحث يتعرض لمسألة خلافية فيها آثار عن ابن عباس حبر الأمة وعن تلميذه قتادة وعن الحسن البصري وعن جابر بن زيد وغيرهم من سلف الأمة وعلمائها واعتمد بعض أهل العلم أحد هذه الأقوال على مافيه من خطأ ظاهر بين لايخفى على طلاب العلم ودون في المصاحف المنتشرة هنا وهناك مما يعد ثغرة يمكن أن تفتح بابا للطاعنين تبين عدم الاهتمام بكتاب الله وتحرير علومه وتداول الخطأ ورواجه بين صفوف المسلمين من غير بيان وجه الحق فيه وتحرير الخلاف المتعلق به .
ثانيا : هذا النوع من البحث يتعلق في الحقيقة بعدة أصناف من علوم القرآن لابد أن يتم البت في أرجح الأقوال فيها ومن ذلك معرفة مانزل بمكة ومانزل بالمدينة ومانزل قبل الهجرة ومانزل بعدها ومانزل أثناءها ومعرفة أول مانزل وآخر مانزل ومعرفة مانزل جملة ومانزل منجما ومعرفة الحضري والسفري والليلي والنهاري ونحو ذلك من العلوم.
ثالثا : هذا البحث يتعلق تعلقا وطيدا بنوع من أنواع علوم القرآن في غاية من الأهمية ولابد من بحثه والجزم فيه بالصحة أو عدمها وهو أسباب النزول فكل آية لها سبب نزول يبين ارتباطها أو انفصالها عن سورتها ويشير في غالب الأحيان إلى مكيتها أو مدنيتها وأحيانا يحدد توقيت نزولها ويبين ترتيبها وهذا يزداد وضوحا في القرآن المدني .
رابعا : هذا البحث مع ارتباطه الشديد بالسيرة النبوية يساعد كل منهما الآخر في ترتيب أحداثه فهو يرتب أحداث السيرة من جانب ومن جانب آخر تساعد أحداث السيرة على ترتيبه وسيتضح شيء من ذلك في بعض مايأتي من فقرات هذا التصور .
خامسا : هذا البحث هام جدا في بيان المنهج الدعوي والتدرج الذي أراده الله عز وجل في الدعوة إلى دينه ويظهر ذلك بوضوح في ترتيب نزول القرآن المكي ، كما تبرز أهميته الشديدة في التدرج التشريعي وبيان الناسخ والمنسوخ وإظهار العام المخصوص من المنسوخ جزئيا ويظهر ذلك بوضوح في ترتيب نزول القرآن المدني .
سادسا : سيضطرنا هذا البحث أن ندرس كيفية نزول القرآن وهل الأصل في النزول نزول السورة كاملة أم نزول بعض الآيات وهل ينزل خمسا خمسا أم ثلاثا ثلاثا وذلك بدراسة الآثار الواردة في ذلك .
سابعا : يقتضي البحث دراسة متأنية لكثير من روايات التفسير بالمأثور والتي تتعلق بترتيب النزول وملابساته ولاشك أن ذلك مطلب من مطالب التفسير له أهميته الخاصة .
ثامنا : موضوع المكي والمدني سيضطرني إلى بحث الاتجاه العام لكل سورة والتفسير الإجمالي لها ودلائل مكيتها أو مدنيتها وهذا مبحث هام من مباحث التفسير .
وأكتفي بهذا القدر فيما يتعلق ببيان أهمية هذا البحث ومايتعلق به من مباحث علوم القرآن وأبدأ الآن في بيان الخطوط العريضة لأسلوبي في البحث .
الخطوط العريضة لأسلوبي في البحث :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك مراحل زمنية سوف أعتبرها في هذا الترتيب بحيث تساعدني على تحديد الفترة الزمنية التي نزلت فيها السورة أو الآيات ومن ثم يتم حصر مجموعة من السور أو الآيات في تلك الفترة لايمكن أن تكون نزلت قبلها كما لايمكن أن تكون نزلت بعدها وهذا في حد ذاته مكسب في الترتيب لابأس به أنتقل بعده لترتيب هذه المجموعة فيما بينها حسب الأدلة والمرجحات .
ومن هذه الخطوط أو الحدود الزمنية :
1- بداية البعثة : ويتم فيها دراسة أول مانزل والترتيب الراجح بين ماقيل في ذلك .
2- فترة الدعوة السرية : وهي ثلاث سنوات من بداية البعثة يتم تحديد مانزل فيها .
3- بداية الجهر بالدعوة : ويحدد فيها مانزل مما له علاقة بذلك .
4- إيذاء المستضعفين بعد الجهر بالدعوة : ويحدد مانزل مماله علاقة بذلك .
5- الهجرة للحبشة : وتحديد مانزل سابقا لها ومانزل بعدها .
6- الإسراء والمعراج : ونزول سورة النجم وماثبت في كونها أول سورة تنزل فيها سجدة بحيث يعتبر حدا لنزول السور التي تضمنت سجدات مثلا .
7- هجرة جعفر بن أبي طالب وكونها بعد نزول سورة مريم لأنه تلاها على النجاشي .
8- مرض وموت أبي طالب ووفاة خديجة وماتعلق بذلك من سور وآيات نزلت في جرأة قريش على النبي ﷺ وموقفه معهم في تلك الفترة
9- الهجرة الثانية وهجرة ابن مسعود وماتقتضيه من نزول آيات بعدها
10- الهجرة إلى المدينة وماسبقها من سور أو آيات .
هذه بعض الحدود الزمنية التي سوف أعتبرها حواجز لفترات نزلت في كل فترة منها مجموعة من السور أو الآيات وأشرع الآن في بيان بعض الأمثلة في كل فترة من تلكم الفترات كعينة تظهر مدى جدوى هذه الطريقة وصلاحيتها إن شاء الله للوصول إلى المراد بنسبة لابأس بها .
أمثلة تطبيقية تعطي تصورا واقعيا لصحة المنهج :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في بداية البعثة : يمكن ترتيب ثلاثة مواضع في هذه الفترة كمثال :
1- نزل صدر سورة العلق إلى قوله علم الإنسان مالم يعلم لما ثبت في الصحيحين وغيرهما وكذا في كتب السيرة سواء من ذكر ذلك على أنه منام أو من ذكره على أنه قصة حقيقية وقعت يقظة وكلها تؤكد أولية نزول صدر العلق .
2- يتلو هذه الرواية نزول سورة الفاتحة استنادا لأدلة متظاهرة أوضحها مرسل ميسرة وهو من كبار التابعين الذين ذهب جمع من أهل العلم إلى قبول مراسيلهم بالإضافة لكونه مخضرما وقد قال بعض أهل العلم أنها أول سورة نزلت كاملة ويؤيد ذلك ماذكره إمام أهل المغازي وله أدلة قوية من تعليم جبريل الصلاة للنبي ﷺ في أول البعثة وجاء في بعض الروايات أنه صبيحة الغار وقد قال الواحدي : ولايسعنا القول بأن رسول الله ﷺ قام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب هذا مما لاتقبله العقول .ا.هـ
3- يتلو ذلك نزول صدر سورة المدثر بعد فترة الوحي لحديث جابر في الصحيحين حيث نص على أن ذلك أول مانزل بعد الفترة .
فهذه الروايات الثلاث على فرض صحة هذا الترتيب أو عدمه نزلت لامحالة في بداية البعثة لايمكن أن تتأخر عن بدايتها بحال من الأحوال لتظاهر الأدلة على ذلك .
ثم ننتقل إلى الفترة السرية فنذكر فيها أمثلة ثلاثة :
4- نزول قوله تعالى : )لاتحرك به لسانك لتعجل به ( إلى قوله )ثم إن علينا بيانه ( لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن النبي ﷺ كان يعالج من التنزيل شدة ويحرك شفتيه حرصا على حفظ مايأتيه به جبريل فأنزل الله هذه الآيات مطمئنا له ولا شك أن ذلك بعد نزول بعض الآيات والسور التي في بداية البعثة وأنه في فترة الدعوة السرية لأن تأخره يكلف النبي ﷺ مشقة لاداعي لها ويؤيد ذلك الآثار الواردة في تقدم نزول سورة القيامة .
5- نزول آخر سورة المزمل لما ثبت عن عائشة فيما أخرجه مسلم وغيره أن الله حبس خاتمتها اثني عشر شهرا وأن النبي ﷺ وأصحابه قاموا حولا كاملا حتى انتفخت أقدامهم .
6- نزول سورة الرحمن لما رواه الإمام أحمد عن أسماء بسند جيد كما قال السيوطي أنها سمعت النبي ﷺ يقرأ عند البيت فبأي آلاء ربكما تكذبان قبل أن يصدع بمايؤمر .
ثم ننتقل إلى الجهر بالدعوة ويمكن أن نحدد في هذه الفترة ثلاث روايات أيضا :
7- قوله تعالى فاصدع بماتؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين ….. الآيات لما رواه ابن جرير وغيره من طريق ابن إسحق بإسناده عن ابن عباس وإسناده حسن وله شاهد عند ابن جرير عن عبد الله بن عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال مازال النبي ﷺ مستخفيا حتى نزلت فاصدع بما تؤمر . وماتقدم عن أسماء يبين ذلك .
8- قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين ويدل عليه سبب نزولها المروي في الصحيحين وهي لاشك بعد الأمر له بأن يصدع بما يؤمر حيث قام على الصفا وصدع بمابعث به في بطون قريش ودعاهم بطنا بطنا .
9- نزول سورة المسد لما ثبت في نفس الأدلة السابقة أنها نزلت بعد أن قال أبو لهب للنبي ﷺ تبا لك ألهذا جمعتنا ؟
ثم ننتقل إلى فترة إيذاء المستضعفين بعد أن جهر بالدعوة في مكة ونذكر فيها مثالين وهما :
10- قوله تعالى ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى … الآيات ) ونزلت فيمارواه ابن إسحق وأحمد وغير واحد في أبي بكر الصديق عندما أعتق من يعذب في الله من ضعفاء العبيد ولامه أبوه في ذلك .
11 – سورة الأنعام حيث نزلت جملة واحدة كما ورد في أدلة كثيرة متوافرة وفيها أمره تعالى للنبي ﷺ بأن يصبر نفسه مع المستضعفين ويشهد له مارواه مسلم وغيره عن سعد بن أبي وقاص في نزول قوله تعالى ( ولاتطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ….. الآيات ) فيه وفي ابن مسعود وصهيب وعمار ونحوهم .
وأما الهجرة للحبشة والتي تلت إيذاء قريش للمستضعفين فكانت على فترات متفاوتة واستمرت لمدة طويلة وسنكتفي فيها بمثال نزل بعد بدايتها وقبل الإسراء والمعراج وهو :
12- نزول صدر سورة الروم حيث ثبت نزولها في السنة الثامنة من البعثة لحديث ابن عباس عند أحمد والترمذي وغيرهما وكذا حديث نيار بن مكرم عند الترمذي وغيره وحديث البراء عند ابن أبي حاتم وغيره .
وأما بعد الإسراء والمعراج وقبل هجرة جعفر فنذكر فيها أربعة أمثلة :
13- نزول سورة النجم حيث تتكلم عن المعراج ومافيه من حوادث وكانت أول سورة استعلن بها النبي ﷺ وأول سورة نزلت فيها سجدة كما ثبت في الصحيح عن ابن مسعود وابن عباس .
14- نزول سورة مريم حيث إن فيها سجدة فهي بعد النجم يعني بعد الإسراء وتلاها جعفر على النجاشي يعني قبل هجرة جعفر .
15 – نزول سورة الإسراء وهي تتحدث أيضا عن الواقعة وفيها آيات تتعلق بما دار بين النبي ﷺ من محاورات نزلت على إثرها سورة مريم والكهف والإسراء كما ثبت في حديث ابن عباس عند ابن إسحق وغيره وله شواهد .
16- نزول سورة الكهف كما تقدم ذكره في الرواية الآنفة .
وأما بعد هجرة جعفر وقبل مرض أبي طالب فنذكر في هذه الفترة مثالا وهو :
17- نزول سورة القمر ويدل على ذلك حديث عائشة في نزول سورة القمر وهي جارية بمكة تلعب وهو مخرج في الصحيح ومعلوم أن النبي ﷺ تزوجها وهي ابنة ست وكانت وفاة أبي طالب وخديجة قبل الهجرة بثلاث فيكون نزولها قبيل وفاة خديجة بقليل حيث إن انشقاق القمر كان قبل هجرة ابن مسعود حيث شهده كما في حديثه في الصحيح وغيره وكذلك أسلوب حوار أهل مكة مع النبي ﷺ في الروايات كان قبل تجرئهم عليه بعد وفاة أبي طالب .
وأما الفترة بعد مرض أبي طالب ووفاته ووفاة خديجة فنذكر فيها مثالين :
18- نزول سورة ص كما في حديث ابن عباس عند ابن إسحق وغيره وله طريق عند أحمد والترمذي وله طرق وشواهد تثبت نزولها في محاورة النبي ﷺ لأشراف قريش عند أبي طالب وهو مريض .
19- نزول إنك لاتهدي من أحببت من سورة القصص في محاولة النبي ﷺ هداية عمه قبل وفاته كما ثبت في الصحيح .
وأما بعد هجرة ابن مسعود إلى الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة فنذكر فيها مثالا وهو :
20 – نزول قوله تعالى ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا .. الآية ) سورة الأعراف حيث ثبت نزولها في كلامهم في الصلاة عند ابن أبي شيبة وابن جرير وغيرهما عن أبي هريرة وله شواهد كثيرة وثبت في الصحيح أن ابن مسعود عندما رجع إلى المدينة سلم على النبي ﷺ ولم يكن قد علم بنزول هذه الآية ومع كون الأعراف مكية يتجه ماذكرته.
هذه أمثلة عشرون لمحاولة ترتيب نزول القرآن المكي وإمكانية الوصول فيه لبعض النتائج الإيجابية وقد اتضح فيها ماذكرته في حديثي عن فوائد هذا البحث .
ويلاحظ فيما ذكرت عدم تعرضي لأقوال العلماء في ترتيب نزول هذه السور خشية الإطالة في مقام لايحتمل مثل ذلك وإلا ففي القسم الأول من البحث سوف أتعرض بإذن الله تعالى إلى الروايات والأقوال بإسهاب ثم أعرج عليه عند كل سورة للمقارنة بماقيل فيها من أقوال وبين مايقتضيه البحث العلمي من دورها في الترتيب وكمثال غير ماذكره فضيلتكم في مذكرتكم في سورة النساء أطرح نقطة في مجال النقد السريع وهي مايطلقه أهل العلم من نزول سورة كذا بعد سورة كذا هكذا على وجه الإطلاق فمثلا سورة العلق نزل صدرها في بداية البعثة وأما آخرها فنزل بعد الإسراء والمعراج وبعد وفاة أبي طالب عندما تجرأ أبو جهل على قتل النبي ﷺ وأراد أن يلقي عليه الحجر وهو ساجد فوجد هولا وأجنحة ورده الله خاسئا يعني كان بين صدرها وآخرها أكثر من عشر سنوات ، كذلك سورة المدثر فقد نزل أولها مع بداية البعثة ونزل قوله تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا بعد فترة من ذلك عندما جاءه الوليد بن المغيرة قبيل الموسم فقرأ عليه القرآن ورق له فلامه قومه فقال ماقال ، وأيضا سورة المزمل كان بين صدرها وخاتمتها حوالي سنة كما تقدم مما يبطل كون قولهم نزلت سورة كذا بعد سورة كذا يراد به مجمل السورة عند النقد والدراسة .
وكمثال لنقد كلامهم في ترتيب النزول ماذكره الزركشي والسيوطي وغيرهما وهو المروي عن ابن عباس وجابر بن زيد أن سورة المسد نزلت سادس سورة بعد العلق والقلم والمزمل والمدثر والفاتحة وهذا شيء غير معقول ولايصمد أمام النقد العلمي لأمور منها:
1- أن بنزول صدر المدثر كما في حديث جابر المتفق عليه حمي بعد الوحي وتتابع وهذا يعني نزول عدة سور قبل أن يبدأ النبي ﷺ دعوته ويصل بها الأمر إلى عداوة بينه وبين آل أبي لهب لتنزل فيهم سورة تتحدث عن خاتمة السوء لكل من أبي لهب وامرأته التي كانت تحمل الشوك فتطرحه في طريقه ﷺ بل لابنيهما أيضا حيث جزم ابن عباس بأن ماكسب يراد منها ولد أبي لهب .
2- أن نزول سورة تبت استنادا لروايات الصحيحين مانزلت إلا بعد الجهر بالدعوة وهذا يقتضي نزولها بعد نحو من ثلاث سنوات فلا يعقل أنه مانزل فيها سوى الفاتحة .
3- أن نص الحديث في الصحيحين يدلل على نزولها بعد قوله وأنذر عشيرتك الأقربين من سورة الشعراء فكيف تقدمت عليها هذا التقدم .
وهناك أمور أخرى حول مسلك السورة وعدم تقبل نزولها في بداية البعثة كما أن هناك أمثلة كثيرة نحو ماذكرته في هذه السورة كلها تحتاج إلى البحث والدراسة .
وبالطبع فإن ماتقدم ينقصه التدقيق والدراسة المتأنية ولكنه لمحات آمل أن تكون موضحة لتصوري للبحث واهتمامي به وحرصي على الكتابة فيه مما يجعل جانب قبوله كأطروحة لرسالتي في الماجستير راجحا لدى فضيلتكم .
هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقكم لكل خير وأن يجعل أعمالكم ووقفاتكم بجانب أبنائكم الطلاب في ميزان حسناتكم .
مقدمه
الباحث / محمد رزق عبد الناصر
1417هـ