النفس اللوامة والتصالح مع النفس
من أعظم مايبتلى به المسلم موت نفسه اللوامة فحصول ذلك له يعني ضياعه يوم القيامة !!
انظروا إلى التناغم ..سبحان الله ! لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة !
فإذا ماتت نفسه اللوامة اقترب من حال الكافر الذي لايؤمن بيوم القيامة فيفجر أمامه !
وانظروا إلى التناغم أيضا في قوله : بل يريد الانسان ليفجر أمامه يسأل أيان يوم القيامة !
يقول الحسن البصري رحمه الله : إن المؤمن – والله – ما تراه إلا يلوم نفسه ، ما أردت بكلامي ؟ ما أردت بأكلتي ؟ ما أردت بحديث نفسي ؟ وإن الفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه ولا يعاتبها .
الإنسان باختلاف مهامه في هذه الدنيا يحتاج حاجة ماسة لنفس تلومه على أفعاله دوما ..بمعنى إعادة النظر في أفعاله وهل هي على الجادة أم حادت عنها وهو لايشعر أو هو يتغافل ليريح نفسه من عناء الملامة فيمضي قدما لايلوي على شيء حتى يصدم يوم القيامة ببؤس حاله وتعاسة مآله !
التصالح من النفس كارثة بكل المقاييس وللأسف دعوات أصحاب فكرة تطوير الذات يدندنون حول هذا البلاء فيفسدون دين المسلم من حيث لايشعرون ..
يقول بعضهم : كيف أكون متصالحاً مع نفسي وما هي خطوات التصالح مع الذات؟ ثم يعطي خطوات عملية لتحقيق التصالح مع النفس وقبول الذات وصولاً لما يسمى السلام الداخلي !!
ولايعني النقد لذلك رفض كل ما يقولون وإنما التنبيه على فساد التسليم بكل مايقولون وفيه ما يتعارض مع شريعتنا في ضرورة لوم النفس على التقصير ومبدأ المحاسبة في الدنيا قبل أن نحاسب في الآخرة فإن هذا هو المدخل الوحيد للتوبة وتصحيح المسار قبل فوات الأوان .
الأم التي تفني وقتها في إعداد الطعام لأولادها وغسيل ملابسهم وترتيب أغراضهم ورعاية أوقاتهم والحرص على نظافتهم ومتابعة دروسهم وما إلى ذلك وترى أنها هكذا قد قامت بدورها على أكمل وجه وتنام قريرة العين بعد هذا الجهد وهي في غفلة أو مهملة لأمر دينهم من عقيدة صحيحة ومن صلاة ومايلزمها من طهارة ونحوها ومن علاقاتهم مع من حولهم وتأثرهم وتأثيرهم نقصدها بهذا المقال .
الأب الذي يكدح طيلة يومه ليوفر لأولاده الطعام والملبس والعلاج والدراسة ويقنع نفسه بذلك أنه قد أدى ماعليه ويترك مابعد ذلك للأم المشغولة مثله بما تقدم أو للمدرسة التي ربما أفسدت أكثر مما تصلح أو للشارع والمجتمع المحيط وهو يرى أنه قد أدى ماعليه تجاه أولاده ونسي التوجيه والتأديب بكل طرقه وأطرهم على إقامة صلاتهم من الفجر حتى العشاء ومن كان ذكرا يحرص على صحبته للمسجد وما إلى ذلك ومتابعة علاقتهم بربهم وإعدادهم دينيا ومعنويا ودنيويا وينظر في مشاكلهم فلربما ولده يعاني من كارثة محققة وهو لايدري أو ابنته في علاقة عاطفية بسبب إهماله وهو في غفلة وتصالح خطير من نفسه نقصده بهذا المقال .
الزوجة التي تهتم بطعام زوجها وجميل هندامه ونظافة بيته ورعاية أبنائه وتطيعه في الجملة وهي تظن أنها بذلك قد أدت حق زوجها وأنها زوجة صالحة وهي في غفلة عن حاجة زوجها لحسن تبعلها له ليعف نفسه عن الحرام وتمضي قدما في تقصيرها متعللة بانشغال بأولادها وبالاكتفاء بما تيسر من ذلك وبتقدم سنها أو سن زوجها وهكذا هي في تصالح نفسي مهلك لها في الآخرة ونحن نقصدها بهذا المقال .
ومن عجيب مامر على في ذلك رجل يغض بصره عن امرأته أكثر من الأجنبيات حتى لايثيره النظر ولايجد ما يقضي به وطره من حلاله الذي جعله الله له ..ولاشك أن هذا من مغية الاكتفاء بالزوجة الواحدة وليس المجال هنا متسعا للحديث عن ذلك .
الزوج الذي يهتم بالنفقة على زوجته وتوفير ما تريده في الجملة لكنه يقصر في قوامته عليها من غيرة وصيانة لها عن الخروج والابتذال ومخالطة الرجال من بائعين ونحوهم ثم هو لايشبع ما تتطلع إليه من غزل ومداعبة وإظهار للحب والعاطفة ومن تعليم لها في أمر دينها وحث لها على الاهتمام بذلك ولايلوم نفسه على هذا التقصير ويظن أو يقنع نفسه أنه بما يقوم به قد أدى دور الزوج المثالي فهو في تصالح مضيع له في الآخرة وهو مقصود بهذا المقال .
الابن الذي ينفذ أمر والديه له في الجملة ويحاول ألا يسيء إليهما ويتجنب الصدام معهما وهو بذلك يظن أنه بمنأى عن العقوق والهلاك في الآخرة وهو في الواقع لايهتم بمعرفة وتطبيق موجبات البر بالوالدين ويتصالح مع نفسه حتى لايصدم بثقل تكاليف بر الوالدين وعظم حقهما عليه هو مقصود بهذا المقال .
المسلم الذي ليس في قطيعة ظاهرة مع أقاربه وإذا تزوج منهم أحد أو مات منهم أحد شارك بتهنئة أو بزيارة عابرة وربما أرسل لهم رسالة في عيد ونحوه وهو في قرارة نفسه قد قام بصلة رحمه بهذه التفاهات نقصده بهذا المقال .
الصديق الذي إذا دعاه صديقه لمناسبة فيجيبه ، أو يدعوه هو عندما تكون لديه مناسبة ويتواصلان على وسائل التواصل ببعض المنشورات وشيء من التعليقات لكنه لايلوم نفسه على تقصيره مع صديقه في تفقد حاله المالي من حاجيات الحياة وهو في سعة أو في تفقده في أمر دينه وهو يراه مقصرا مهملا أو في تعليمه والتعاون معه لرفع جهله أو في نصحه وتوجيهه فيما يقصر فيه في أسرته أو عمله هو مقصود بهذا المقال .
المحب للدعوة الذي يحرص على نشر المنشورات في مجموعات وسائل التواصل ويتوهم أنه قائم بواجب الدعوة إلى الله وقد أدى ماعليه دون أن يلتفت لصحة ماينشر وهل يقره العلماء أم لا ؟ وهل هذا كاف في أداء دوره في الدعوة لهذا الدين أم لا ؟ مقصود بهذا المقال
المجاهد الذي أوذي في الله فسجن واضطهد ثم من الله عليه بالحرية وعوضه الله خيرا فانشغل بمعاشه والاستكثار من دنياه ويتصالح مع نفسه بأنه قد أدى ماعليه في الدفاع عن دينه وقد آن الأوان ليلتفت لنفسه وأهله فرفع يده عن نصرة دين الله وتحمل الأذى في سبيله نقصده بهذا المقال
الموظف والمدرس والعامل والمدير والجندي والحارس وكل واحد منا فيما نيط به من مسؤولية في هذه الدنيا إن لم يقم بإحياء نفسه اللوامة لكي تسأله وتؤنبه وتبكته على تفاصيل ماعليه من واجبات ستكون عاقبته في الآخرة وخيمة وسيندم ولات ساعة مندم
ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد .