الإمام السيوطي ورشف الزلال !!
الأمور بمقاصدها .. قاعدة شرعية، من القواعد الفقهية الخمسة الكبار المجمع عليها بين أهل الإسلام ، لخصها أحد الباحثين بأنها يراد منها أن كل قول أو عمل إنما هو بالمقصد الذى يريد صاحبه أن يحققه، أو بالغاية التي يريد الوصول إليها من وراء قوله أو عمله. فإن تكلم أو تحرك فالعبرة من كلامه أو حركته بما يقصد أو يريد. وبعبارة أخرى أن تقاس الأعمال والأقوال بمقياس النوايا الحسنة أو السيئة للفاعل أو للقائل .ا.هـ
ومعنى القاعدة : إن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود منه .
فحتى لانطيل وخير الكلام ما قل ودل .. لايأتينا غر أو طفل لم يدرس في حياته أصول الفقه ولايعرف كيف تنزل الأحكام فيضرط ضرطة عير في فلاة ويقول : كتاب رشف الزلال استهزاء بالدين والاستهزاء بالدين كفر وبالتالي (الإمام) السيوطي كافر (وحاشاه) بل من كفره هو الكافر حتما ولاشك .
الاستهزاء استفعال وهو مبني على القصد والترصد فأصله نية المتكلم أو الفاعل .. ثم لو سلم أن قولا ما أو فعلا ما هو استهزاء بالدين فحكم الاستهزاء بالدين الكفر ولكن من وقع في هذا الكفر لاينزل عليه عند جميع أهل العلم إلا بعد استيفاء الشروط والموانع وهذا دور العالم القاضي حيث ينظر في ذلك وهو يعلم قطعا أن التأويل مانع من موانع إلحاق الكفر بالواقع فيه ، وقد فصلنا الكلام في ذلك في كتاب القصف المقنن على مكفر المعين دون شروط وموانع ، ومن قبل كتاب تكفير المعين .
فهل هناك عاقل يقول بأن الإمام السيوطي الذي أفنى عمره كله في خدمة الإسلام وعلومه المختلفة وألف قرابة ستمائة كتاب بعضها هو عمدة العلماء من بعده في فنها ورفض المنح والهبات الدنيوية وانقطع للعلم منذ بلغ الأربعين حتى مات واعتبر هو مجدد الدين في قرنه لعظم خدماته الجليلة للإسلام ..أقول : هل هناك عاقل يقول : إن الإمام السيوطي ألف كتابه هذا للاستهزاء بالدين ؟؟
لكن لاشك أن الحمار يبقى حمارا مهما حاولت تعليمه وتفهيمه !!
وطالما أنه بداهة لم يكن هذا الكتاب استهزاء بالدين فقد انتفت التهمة أصلا فلا حاجة للنظر في القضية . وهذا مافعله أئمة العلم منذ ألف السيوطي هذا الكتاب وحتى زماننا هذا الذي ابتلينا فيه باليوتيوب والتيك توك وأصبح كل ناعق يستجلب حوله من كان على شاكلته وهو مثل العذرة عندما يتهافت عليها الذباب ، فكان مثل الممثلة الإباحية أتباعها بالملايين !
لم يتكلم عالم في هذا الكتاب ولم يعده أحدا مطعنا في الإمام لأنهم علماء مؤصلون يعرفون ما يقولون وليس يهرفون بما لايعرفون .
طبعا يلاحظ القارئ أني أضربت صفحا عن الكلام عن نسبة الكتاب للسيوطي والتي حاول البعض دفع الكلام عنه فيه بالطعن في نسبة الكتاب ، وقد أضربت صفحا عن ذلك لأن الإمام السيوطي عالم موسوعي وهو من علماء الأمة القلائل الذين يصح أن يوصفوا بذلك فلا غرو أن يكون له مثل هذا الكتاب لموسوعيته وتمكنه في فنون متعددة لايفهم بعض هؤلاء السفهاء شيئا فيها أصلا .
ونحن نقول بغض النظر عن صواب أو خطأ الإمام السيوطي في تصنيفه هذا الكتاب فإن المقصد منه واضح ومعروف من بدايته وهو ترغيب الشباب في النكاح المشروع وتنفيرهم من اللواط والشذوذ وهو مقصد عظيم وغرض مشروع وكان مسلك الإمام في ذلك مخاطبة الشباب بمقامة أدبية فكاهية يعبر فيها عشرون عالما عن ليلة دخلتهم بكنايات متأثرة بنوع علومهم التي تمكنوا منها ولم تقف المقامات عند علوم الشريعة فقط بل هناك مقامات لعلوم اللغة والكتابة والهيئة والطب والمنطق والتصوف .. وهي مقامات ثرة جدا من جهة اللغة وعلوم البيان والبديع . ولكن !!
ولكن هل يمكن أن يفهم ذلك من لم يدرس في عمره اللغة وعلومها وكان يكتب إلى عهد قريب جدا كلمة (الإخوة) هكذا (الإخوى) أو يفهمها ماحوله من ذباب لايعرف أن يكتب جملة واحدة بإملاء صحيح ؟؟ عجبي !
والمقامة الأدبية هي نوع من الأدب القصصي يُعرض بطريقة بليغة ومسجوعة تنقلها شخصيةٌ خيالية وقد اشتهر بها بعض المتخصصين في الأدب مثل بديع الزمان الهمداني والحريري وابن دريد ويكون لها راو وهو الشخصية التي تنقل المجلس وبطل أو أبطال وهي الشخصيات التي تدور حولها المقامة، ونكتة: وهي العقدة التي تحاك عليها القصة لكي يتم الاعتبار بها وهي تعتمد على أمور ثلاثة وهي التشويق ، والحادثة التي تعرض لأجلها المقامة ، ثم السرد حيث يجب أن تُعرض بطريقة مغرية للقارئ .
والشيء بالشيء يذكر وبه نختم ، هؤلاء السفهاء مرضى النفوس يكفرون أيضا الإمام السيوطي بدعواهم أنه يستغيث بغير الله فنعود للنقطة الأولى وهي تحرير حكم الاستغاثة بغير الله وهل هي كفر أم لا ؟ ثم إذا كانت كفرا هل تنزل أحكام الكفر على المعين الذي وقع فيها أم لا ؟ ومن الذي ينزل هذه الأحكام .
ولكن للأسف ماوقع فيه السيوطي رحمه الله تعالى ليس من الاستغاثة المكفرة أصلا بالاتفاق لأن الاستغاثة عنده وعند من يسلك مسلكه كالسبكي والهيتمي لها معنيان طلب الغوث من المستغاث به وهذا هو ما يقال بكفر فاعله بالعموم وليس بالتعيين ، والثاني طلب الغوث من الله متوسلا بمخلوق ما وهذا لايكفر فاعله قطعا فإذا كان هذا المخلوق هو النبي ﷺ فقد خرج الأمر من التحريم أصلا فضلا عن الكفر بل قال بمشروعيته أئمة من أئمة الإسلام وجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة يرون جواز هذا النوع من التوسل .
وهذا هو ما نقل عن الإمام السيوطي بدلالة سياق كلامه ولم يفهمه أبو ذباب !
قال السيوطي : ومازلت أتضرع إلى الله تعالى … وأستغيث بالنبي ﷺ …الخ
وعليه يحمل كذلك قول الإمام القسطلاني في المواهب اللدنية : وينبغي للزائر أن يكثر من الدعاء والتضرع والاستغاثة والتشفع والتوسل به ﷺ ؛ فجدير بمَن استشفع به أن يشفعه الله تعالى فيه.
وقال ابن مفلح رحمه الله: ” ويجوز التوسل بصالح، وقيل: يستحب، قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروذي: إنه يتوسل بالنبي ﷺ في دعائه، وجزم به في المستوعب وغيره .ا.هـ
وقال الإمام ابن قدامة في المغني : ثم تأتي القبر فتولى ظهره القبلة وتستقبل وتقول: السلام عليك أيها النبي…. إلى أن قال : اللهم إنك قلت وقولك الحق: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي مستشفعًا بك إلى ربي، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمَن أتاه في حياته …الخ
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: قولهم في الاستسقاء: لا بأس بالتوسل بالصالحين، وقول أحمد: يتوسل بالنبي ﷺ خاصة، مع قولهم إنه لا يستغاث بمخلوق، فالفرق ظاهر جداً، وليس الكلام مما نحن فيه، فكون بعضٍ يرخِّص بالتوسل بالصالحين وبعضهم يخصُّه بالنبي ﷺ ، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه، فهذه المسألة من مسائل الفقه، ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور إنه مكروه فلا ننكر على من فعله، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، لكن إنكارنا على من دعا المخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى، ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وإعطاء الرغبات، فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً، ولكن يقول في دعائه: أسألك بنبيك، أو بالمرسلين، أو بعبادك الصالحين، أو يقصد قبر معروف أو غيره يدعو عنده، لكن لا يدعو إلا الله مخلصاً له الدين، فأين هذا مما نحن فيه؟. اهـ.
وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: “ونحن كذلك لا نقول بكفر من صحَّت ديانته، وشهر صلاحه، وعلم ورعه وزهده، وحسنت سيرته، وبلغ من نصحه الأمّة ببذل نفسه لتدريس العلوم النافعة والتآليف فيها، وإن كان مخطئًا في هذه المسألة -أي: الاستغاثة بالرسول- أو غيرها؛ كابن حجر الهيتمي، فإنا نعرف كلامه في الدرّ المنظم، ولا ننكر سعة علمه؛ ولهذا نعتني بكتبه، كشرح الأربعين، والزواجر، وغيرها، ونعتمد على نقله إذا نقل؛ لأنه من جملة علماء المسلمين .ا.هـ
ونحن وإن كنا نرى أن الاستغاثة بغير الله شرك وأن التوسل بالنبي ﷺ غير مشروع فإننا نعرف وجهة القوم ودلالة ما يذهبون إليه وأدلتهم في ذلك والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ثلاث إضافات قد تنفع القارئ :
الأولى : الكلام الصريح فيما يتعلق بالنساء والجماع ونحو ذلك في موضعه محمود غير مذموم وقد ترخص فيه جمع من العلماء ومن ذلك ماذكره ابن القيم في نونيته في وصف نساء الجنة وقد أبدع في تفاصيل أجسادهن لتشويق الطالبين ، ويكفي في أصل ذلك ماصح عن ابن عباس التغني به وهو محرم من باب الترويح عن النفس : وهن يمشين بنا هميسا إن يصدق الطير ننك لميسا
الثانية : الإمام السيوطي له كلام صريح في تنفيره من الشرك فكيف يقع فيه إذ يقول في الدعاء عند القبور : ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻷﺟﻠﻬﺎ ﻧﻬﻰ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﷺ ، ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﻗﻌﺖ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻢ ﺇﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﺃﻭ ﻓﻴﻤﺎ ﺩﻭﻧﻪ ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺗﺠﺪ ﺃﻗﻮﺍﻣﺎ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺎﻟﻴﻦ ﻳﺘﻀﺮﻋﻮﻥ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﻮﺭ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻭﻳﺨﺸﻌﻮﻥ ﻭﻳﺘﺬﻟﻠﻮﻥ ﻭﻳﻌﺒﺪﻭﻧﻬﻢ ﺑﻘﻠﻮﺑﻬﻢ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﻻ ﻳﻔﻌﻠﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﻮﺕ_ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ، ﺑﻞ ﻭﻻ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﺤﺎﺭ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻭﻳﺮﺟﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻼﺓ_ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻣﺎ ﻻ ﻳﺮﺟﻮﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﺪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﺮﺣﺎﻝ ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺴﺪﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺣﺴﻢ_ﻣﺎﺩﺗﻬﺎ ، ﺣﺘﻰ ﻧﻬﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺒﺮﺓ ﻣﻄﻠﻘﺎ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻘﺼﺪ ﺍﻟﻤﺼﻠﻲ ﺑﺮﻛﺔ ﺍﻟﺒﻘﻌﺔ ﻭﻻ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ، ﺳﺪﺍ ﻟﻠﺬﺭﻳﻌﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻔﺴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻬﺎ ﻋُـﺒﺪﺕ ﺍﻷﻭﺛﺎﻥ .
والثالثة : البكري الذي اشتهر بالاستغاثة بالنبي ﷺ وكفر شيخ الإسلام لمحاربته لذلك لم يكفره ابن تيمية بل عذره وهو إمام هذه البدعة الشنيعة فقال في كتابه الاستغاثة والرد على البكري :فلهذا لم نقابل جهلُه [أي البكري] وافتراءه بالتكفير، بمثله، كما لو شهد شخص بالزور على شخص، أو قذفه بالفاحشة كذباً عليه ، لم يكن له أن يشهد عليه بالزور ، ولا أن يقذفه بالفاحشة .