بقلم : د.محمد بن رزق بن طرهوني
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فلست متشائما كما قد يظهر للبعض من مقالي هذا .. ولكنها نظرة واقعية وشرعية في نفس الوقت إن لم نبن عليها استراتيجيتنا فلن نفلح أبدا !!
سبق أن كتبت عن الثورات السلمية وشروط نجاحها العشرة والتي في حقيقة الأمر لاتتوافر في مناهجنا نحن المسلمين وهنا سأضع النقاط على الحروف لمن ألقى السمع وهو شهيد .
نحن المسلمين حتى نحيا في هذه الدنيا حياة طيبة بمفهومها الواسع ليس أمامنا إلا خيارين اثنين ! نعم خياران اثنان لاثالث لهما
الأول : الكفر بالله واتباع ملل أهله تماما يعني التحول الجذري عن دين الإسلام والانصهار في بوتقة الصليبيين ونحوهم .
(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) (ولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)
الثاني : الاعتزاز بالإسلام وأخذ الكتاب بقوة والتزام الجهاد وبذل الدماء بكل سخاء حتى نعيد عزتنا ونجبر عدونا على الرحيل من مرابعنا .
(إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لايرفعه عنكم حتى ترجعوا لدينكم)
غير هذين الخيارين فاشل فاشل فاشل خاصة في هذا التوقيت الذي أدرك فيه الغرب الصليبي والصين الشيوعية وسائر الكفار أنه لا أمل في الإسلام الوسطي الجميل الذي كانوا يراهنون عليه في حقبة من حقب الزمان .
وهذا الإسلام الوسطي الجميل هو الذي لازال أهل الثورات والسلميات يدقون على وتره ويتغنون به ، مع التفاوت الكبير بين أصحابه ، وهم للأسف في غفلة عن حقيقة عدم إمهال الكفار لهم لتحقيقه لأنهم اكتشفوا أن هذا القدر الضئيل من بعض شعائر الإسلام مآله تفريخ جيل يريد الإسلام الحقيقي ويعيد إليه الحياة مرة أخرى .
هل هناك جماعة براغماتية (كيوت) في تعاملها ومرونتها أكثر من الإخوان المسلمين ؟ هاهم انقلبوا عليها شر انقلاب وتنادوا عليها مصبحين للقضاء على كل من يمت بصلة لها ولو كان من أفسد الفاسدين ومن أشد الغارقين في موالاة أهل الكفر حتى ولو كان من كيزان السودان أو حلفاء الناتو وإسرائيل كأردوغان .
مثال آخر : هل هناك جماعة أقل اصطداما وأشد مسالمة من جماعة التبليغ والدعوة ؟ هاهم آل سعود اليد الضاربة في المنطقة للكفار قد أعلنوا الحرب عليها منذ زمن بعدما اكتشفوا أن التبليغي بمجرد ضغة زر صغير يمكن أن يتحول إلى جهادي يضحي بالغالي والنفيس في سبيل هذا الدين .
يا أهل الثورات ماذا تريدون ؟ إليكم السيناريو كاملا …
نجحت الثورة .. جميل ؟ فأنتم أمام خيارين أيضا لاثالث لهما
حكومة مدنية بمعناها الاصطلاحي يعني الكفر البواح والاستسلام التام للغرب الكافر في التبعية وفتح باب نهب الخيرات والاستغلال الاستراتيجي وهو قريب من الخيار الأول الذي ذكرناه في البداية إلا أنه لنقصه عنه لايسلم من أمرين خطيرين :
الأول : وهو أقل خطرا وهو التصادم مع أطماع العسكريين في السلطة لأنهم أكفأ من غيرهم في تطبيق هذا الكفر فهم في الأصل صنيعة الغرب الكافر ، والعسكر لايعرفون سوى القتل .
الثاني : وهو الأخطر التصادم مع الشعوب المسلمة بأطيافها المختلفة التي لازال لديها الحب لهذا الدين والإبقاء على قدر معقول من آدابه وسلوكياته وأحكام شريعته بالإضافة لما سيتعرض له من تمسك بالدين ونادى بالشريعة إلى الاضطهاد والإذلال والتضييق بوسائله المختلفة وهذا مآله بروز جماعات جهادية وحصول الاقتتال الداخلي .
فأي نجاح هذا ؟ وأي أمن تنشدونه لو تم هذا الخيار ؟؟
الخيار الثاني : حكومة مدنية بمعناها عند العوام يعني غير عسكرية وهذه إما تبقي على قدر من الإسلام (كيوت) كحكومات الإخوان مثلا وإما تريد الإسلام بمفهومه الشامل التام فتطبق الشريعة وتقيم الحدود وتنادي بالجهاد .
وهذه ليس لديها إلا خيار واحد وهو التصادم العسكري إما بانقلاب الجيش عليها وهو كاف جدا في حالة الإسلام (الكيوت) كما حصل في مصر مثلا وإما بتجييش ملل الكفر جميعا جيوشها لإنهائها في حالة الإسلام الحقيقي كما حصل في العراق والشام .
إذن الثورات والصراع عامة وإن مرت فترات يسيرة مخادعة يظنها الظمآن ماء مآلها التصادم العسكري والدماء أو الكفر البواح ..
فيا أيها الأحبة في الجزائر والسودان لايغرنكم السراب فقريبا تصلون إلى نقطة حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الواقع عنده وهو ماقدمناه آنفا .
ويا أيها المسلم إما أن تعيش كريما وإما أن تموت شهيدا ولاخير في عيش العبيد والدنيا زائلة ويابخس من باع آخرته بدنياه .
ومازال في أهل الدين من غاب عنه هذا الواقع الأليم فهو يعيش في دوامة إمكانية التعايش ومرحلة الاستضعاف وحلم حصول التمكين ولو بعد قرون من الزمان ووهم دفع أعظم المفسدتين وسلوك منهج التربية والتصفية الذي طالما تغنينا به ولكنه مع وجوبه فليس هو طريق التغيير وبالمناسبة ننبه على أن قوله تعالى : (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) يفهمونه فهما عكسيا ويضعونه في غير موضعه .
وحقيقة الأمر أن هؤلاء جميعهم والمتمثلين في أمثال حزب النور والجامية ومدعي السلفية وطوائف من الإخوان والسرورية ونحوهم والمؤسسات الدينية الرسمية هم جزء فاعل وأساس في بقاء هذا الواقع الأليم بل هم أداة قوية ضاربة استغلها الكفار أعداء الملة في الإبقاء على هذه الحالة البائسة وهدم أي محاولة في المجال الصحيح للخروج من عنق الزجاجة .
بعض المسلمين يخلب عينه بريق زائف لبعض دول الإسلام مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا فغاية مناه أن يصل لنحو ماوصلت إليه هذه الدول وهو غافل أو متغافل عن كونها من النوع الذي ذكرناه من الانصياع الكامل للكفار والتركيز التام على العلمانية وضياع الهوية الإسلامية وليتها سلمت من العداء وحبك المؤامرات ضدها ولازالت في فترة المخادعة فإما تتنازل عن الشيء اليسير المتبقي من الدين لديها وإما تقوض في الوقت المناسب عند توفر مقومات تقويضها كما توفرت في منطقة الشرق الأوسط حسب ما نذكره قريبا .
ما الحل إذن ؟
لاخيار أمام المسلم الحق سوى خيار المواجهة وهو خيار ناجح كما وعدنا الله تعالى وإن كان ثمنه غاليا وحمله ثقيلا (كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم )
وقد نجح هذا الخيار نجاحا منقطع النظير ولم يره الأكثرون لأجل التضليل الإعلامي العالمي وقد بينا طرفا منه في كتابنا (هل الدولة الإسلامية سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان) بالإثباتات والبراهين ولكن تدخلت عوامل أدت إلى انحسار هذا النجاح الباهر :
أولا : عوامل داخلية وهذه بأيدينا إصلاحها تتمثل في عدم التنازع والبعد عن الغلو ووضع الأمور في نصابها وغير ذلك (ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (إياكم والغلو فإنه أهلك من كان قبلكم)
ثانيا : عوامل خارجية وهذه هي مربط الفرس : ( الحملة الصليبية الصهيونية العربانية المجوسية الصفوية النصيرية ) وهذه الحملة ماكانت لتقوم بغير بني جلدتنا ( وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها أو قال من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا )
فكان العامل الفاعل عنصرين :
العنصر الأول : المال الخليجي من محوري الشر في العالم الإسلامي دائما وأبدا (آل سعود وآل زايد) مع الدعم اللوجستي من مطارات قطر وتركيا والكويت وغيرها .
العنصر الثاني : فتاوى علماء السوء وعلماء الغفلة التي شيطنت المجاهدين وألبت عليهم إخوانهم وأحدثت بينهم الفتنة حتى قتل بعضهم بعضا وانقسم بعضهم على بعض .
بالإضافة للعامل الأولي لحرص الكفار على هذه المنطقة الحيوية ولولاه ما تعنوا ولا ضحوا بجنودهم وهو : البترول وحماية إسرائيل والموقع الاستراتيجي .
وملاك ذلك كله في أمرين المال والبترول .
فالمال الخليجي هو الذي مزق السودان قديما ودعم قرنق وهو الذي دعم حكومة الجزائر ضد الإنقاذ وهو الذي مول الحرب على أفغانستان والحرب على العراق أيام صدام وهو الذي مكن لفرنسا لضرب مالي وهو الذي صنع السيسي وانقلابه وهو الذي دمر اليمن وهو الذي أباد خضراء الموصل والرقة وحلب وغيرها وهو الذي يدعم حفتر الآن ويسعى لإبادة ليبيا وهو الذي يعيث فسادا في تونس وهو الذي أفسد بين المجاهدين بدعم بعضهم بشرط قتال البعض الآخر وحاليا يلعب لعبته الكبرى لتخريب الجزائر والسودان.
بدون المال الخليجي لاتستطيع أمريكا ولا روسيا ولا دول الكفر مجتمعة توفير المبالغ الباهظة لتلك الحرب الإبادية الشاملة فهم لم يقدروا على المجاهدين حتى حرقوا الأرض من تحتهم ولم يلتفتوا لبشر أو حيوان أو نبات .
فالمعركة الحقيقية هي مع آل سعود وآل زايد للسيطرة على هذه الأموال ووضعها في مكانها الصحيح ولامانع من تحمل مايترتب على ذلك ولو أدى لذهاب هذه الأموال فإنه من المتوقع تكالب الكفار للحصول عليها بالقوة ولكن شتان بين أن تكون لقمة سائغة لهم يبيدون بها حواضر الإسلام وبين أن يخسروا هم أموالهم وقواتهم ومقدراتهم ليحاولوا الحصول عليها بالقوة ولن يستطيعوا بإذن الله حتى يبيدوا مصدرها وهو البترول . ووقتها لن يجدوا عندنا ما يجعلهم يقاتلوننا ويتجشمون حربنا .
وذكرني ذلك بحال حرائر الجزائر أيام الاحتلال الفرنسي حيث كانت المرأة منهن لكي تحافظ على عرضها تلطخ نفسها بالعذرة حتى ينفر منها الفرنسيون عليهم لعائن الله المتتالية . ولهن سلف في ذلك في قصة الشيخ أبو بكر المسكي ، قيل: إن سبب تسميته بهذا الاسم أن امرأة استدرجته إلى بيتها وكان يبيع، فدخل، ثم أرادته بالحرام، فأغلقت الأبواب، فقال: أريد أن أقضي حاجتي ، فدخل الخلاء، فلطخ نفسه بالقاذورات، فلما خرج تقذرته ، وفتحت الباب، فانصرف ، فقيل: كانت رائحته مسكاً بعد ذلك.
فيا أيها المسلمون زوال الدنيا وذهاب المال أهون من زوال الدين وضياع الأعراض
ويا إخوتنا في الجزائر والسودان انتبهوا لأموال العربان ففيها السم الزعاف والموت الزؤام وتذكروا أننا قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله .
وكتبه
د. محمد بن رزق بن طرهوني
25شعبان 1440 هـ