رابط التسجيلات الصوتية للوقفات
https://archive.org/details/51_20191215
وقفات رمضانية مع آيات قرآنية pdf
وقفات رمضانية مع آيات قرآنية doc
مع سورة الإسراء
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد .
فهذه وقفات يسيرة مع بعض المواضع من سورة الإسراء
في أول السورة الله سبحانه وتعالى يقول:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا…)
يتساءل البعض يقول: الإسراء في الأساس هو في الليل، فلماذا قال: ليلاً؟
فنقول : هناك من أهل العلم من تكلم في ذلك وذكر أنه قال ليلاً للدلالة على أن ذلك في بعض الليل، فكلمة أسرى، قد يكون طوال الليل حصل ذلك الشيء ولكن تحديد ذلك بقوله ليلاً يدلل على أن ذلك في وقت يسير أو قليل من الليل، وليس مستغرقاً لليل كله.. هذه نكته نص عليها العلماء في ذكره سبحانه كلمة ليلاً مع أن الإسراء في الأساس يكون في الليل.
لدينا أيضاً في هذه السورة، في قوله تعالى:
(كلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) وهناك قراءة أخرى: (كلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئَةً عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) فعلى القراءة الأولى وهي قراءتنا المشهورة (سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) لا إشكال؛ ولكن عند قراءة (سَيِّئَةً عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) ينظر القارئ إلى كلمة مكروها يجدها مذكرة والسيئة مؤنثة فهنا يوجد إشكال .
والحل في هذا الإشكال؛ أن كلمة مكروها متعلقة بواقع السيئة، فالسيئة فعل.. الزنا سيئة وهو مكروه فهذا الوصف الذي جاء متعلق بالفعل وليس متعلقا باللفظ.. الذي هو لفظ سيئة .
وكذلك يمكن أيضاً أن يقال: كان سيئة وكان مكروهاً، يعني هو سيئة وهو مكروه فالصفة متعلقة بالضمير في كان وليست متعلقة بكلمة سيئة أو لفظ سيئة .
ولدينا أيضاً الآية التي يقول الله عز وجل فيها: (جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا)…
المتوقع أن تكون الكلمة ، حجاباً ساتراً، لأن المقصود أن الحجاب ستر النبي ﷺ فلماذا قال مستورا؟!
هذا متعلق بشيء في اللغة؛ أحياناً يطلق المفعول ويراد به الفاعل، ويلحق بذلك الآيات التي تقول ومثلها هنا في هذه السورة (رجلُاً مسْحوراً) ، فهل هو ساحر أم مسحور؟!
فكلمة مسحور ومستور قد يراد بها الفاعل أي ساتراً وساحراً .
وهنا يمكن أن يقال أيضاً : مستوراً؛ لأن هذا الحجاب لا يراه أحد فهو مستور يعني الحجاب، وكلمة الحجاب هي بحد ذاتها ستر وكلمة مستوراً أي مستور عن الأعين فلا يراه الناس وهذا وجه واضح لكلمة مستور، وتعتبر شيئا آخر غير الحجاب؛ لأن الحجاب يستر النبي ﷺ وأما كلمة مستوراً أي مستور عن أعين الناس فلا يراه أحد..
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مع سورة الكهف
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد فهذه وقفة يسيرة مع سورة الكهف وفي الحقيقة من أهم الوقفات في هذه السورة هذه الوقفة وهي تتعلق بقصة الخضر عليه السلام مع موسى عليه السلام .
الخضر عليه السلام اختلف أهل التفسير في تحديد ماهيته، هل هو رجل صالح بمعنى ولي من الأولياء أم أنه نبي من الأنبياء أم أنه ملك من الملائكة ، والقول الأول عليه الأكثرون والقول الثاني هو قول المحققين من أهل العلم والقول الثالث هو قول قلة من أهل العلم وفي الحقيقة وعند التأمل القول الثالث هو القول الصحيح ولا يمكن أن يصح سواه.
التفصيل في ذلك يطول ولكن ننبه إلى مسألة مهمة جدا وهي أن القول الأول مشكل لدرجة عالية جدا وفي الحقيقة أقوى حجج الصوفية الذين بالغوا ووصلوا إلى درجات عالية جدا من الإسراف في هذا الجانب ، فإن قيل إن هذا الرجل هو ولي من الأولياء فإن ذلك يدمر أصل الدين عند التأمل فهو دليل صريح على أن هناك من البشر غير الأنبياء من يسعه أن يخرج على شريعة النبي بل أعظم نبي في زمانه وأن هذا الرجل الذي ليس بنبي وإنما ولي لديه علم أعلى من علم النبي وأن هذا الرجل الذي ليس بنبي هو أستاذ لأعظم الأنبياء وهذا هو عين ما يقوله غلاة التصوف، يقولون: خضنا بحرا وقف الأنبياء على ساحله، ويرون أن منزلة الولاية هي أعلى من منزلة النبوة ، وهذا أمر خطيرة جدا، ولا يصح أن يكون الخضر وليا من الأولياء ونتساءل : إن كان وليا فمن نبيه ؟ وما شريعته؟ وكيف يفعل ما ظاهره الإفساد ؟ وكيف يفعل الخوارق ؟ هذه كلها إشكالات تصل إلى درجة إبطال التشريع والعياذ بالله .
أما القول بأنه نبي فعليه إشكالات مشابهة ، هذا النبي لمن بعث ؟ وما شريعته ؟ وكيف يجوز له أن يفعل الفساد الذي يراه الناس إفسادا ثم هو يدعي النبوة ؟
النبي إنما يفعل الإصلاح دلالة على نبوته، ولو كان النبي يفعل الإفساد ويدعي أنه في باطن الأمر صلاح ؛ هذا إشكال عظيم يفتح الباب لكل مفسد أن يدعي النبوة ثم يقول أن كل الذي يفعله من الإفساد إنما يراد به الإصلاح وهذه من الأمور التي ليست في شريعة الله سبحانه وتعالى .
أما الملك فإنه موكل بفعل ما يؤمر سواء أكان في ظاهره خير أم في ظاهره شر، وهذا مقبول من الملك لأنه لا يتبع تشريعا ولا يكون تابعا لنبي ، والملائكة هم الذين يعلمون الأنبياء وهم الذين يتلقون الأمر من الله كما قال الله سبحانه وتعالى {وما فعلته عن أمري} ونحو ذلك .
وحتى لا نطيل فهذا هو القول الراجح الذي يدلل عليه الأدلة ولا يوجد عليه إشكالات، فإن الملائكة يسمون عبادا لله وتكرر تمثل الملائكة في صورة الرجال الصالحين في قصص القرآن وفي قصص السنة النبوية والله سبحانه وتعالى أعلم .
مع سورة الأنبياء
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله و صحبه ومن والاه ..
سنقف الليلة وقفة يسيرة مع سورة الأنبياء وفي هذه السورة ذكر الله سبحانه وتعالى آية عظيمة كثيرًا ما تذكر وهي قوله سبحانه وتعالى[ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ]عليه الصلاة السلام وهنا يستشكل البعض كيف أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله ﷺ رحمة للعالمين وهو قد بعث بالسيف وقال لأهل مكة إنما جئتكم بالذبح وقال وجعل رزقي تحت ظل رمحي ودينه دين الجهاد فذروة سنام الإسلام هو الجهاد فأين الرحمة ؟
وأين الرحمة أيضًا في أفعاله ﷺ عندما ذبح بني قريظة وعندما سمل أعين العرنيين ونحو ذلك من المواقف التي تظهر للبعض منافية للرحمة ؟
فنقول : هناك من أهل العلم من رد على هذا الاستشكال بقوله إن المقصود بـ للعالمين هنا للمؤمنين وهذا قول في حقيقة الأمر فيه ضعف .
وهناك من قال إنه رحمة للعالمين لأن الله سبحانه وتعالى رفع عن هذه الأمة عذاب الاستئصال ببعثته ﷺ فقال [وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ] فعصم الله سبحانه وتعالى الأمة من استئصالها كما حصل مع أمم سالفة بوجوده ﷺ
والذي يظهر أن الرحمة هنا مقصودٌ بها لعموم العالمين وليس أفراد العالمين بمعنى أن الطبيب إذا أراد أن يجري عمليةً لشخص مصابٍ بغرغرينا في قدمه فإنه يبترها وهذا من الرحمة ولو لم يفعل ذلك فهذه ليست برحمة ، فالذي ينظر إلى الأمر بغير تدقيق يقول إنه بتر الرجل وهذا مخالف للرحمة والصحيح أن هذا هو عين الرحمة ، فكذلك بتر الأعضاء النجسة التي في المجتمع ، وأن إزالة الكفر وأهل الكفر هو من الرحمة للعالمين لأن وجود الكافر نقمة وعذاب على العالمين ، وبقاء الكافر إفساد في الأرض ولذا بعث النبي ﷺ لتطهير العالمين من الكافرين حتى يكون الدين كله لله وهذا هو الرحمة الحقيقية للعالمين
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
مع سورة النور
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد فلدينا اليوم وقفتان مع آيتين من سورة النور
الوقفة الأولى: مع قوله سبحانه وتعالى{ الله نور السماوات والأرض} هذه الآية يفهمها البعض أن الله سبحانه وتعالى نور وهذا الإطلاق فيه إشكال عظيم فإن النور مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى قال الله سبحانه وتعالى {وجعل الظلمات والنور} فالنور من مخلوقات الله .
والمقصود بهذه الآية أن الله سبحانه وتعالى هو منور السماوات والأرض ومثل نوره أي في قلب المؤمن كمشكاة فيها مصباح .
ولا يشبه نور الله الذي هو صفة من صفاته لا يشبه نور المخلوقين أو النور المخلوق فإن نور الله صفة لا نعرف كيفيتها ولا نحيط بها والدليل بأن النور صفة من صفات الله قول النبي صلى الله عليه وسلم {أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات} على خلاف في ثبوت الحديث والذي ترجح لدينا أنه حديث حسن والله أعلم، وفرق كبير بين أن يقال إن من صفات الله سبحانه وتعالى النور وبين أن يكون الله سبحانه وتعالى نور أو يسمى النور ولتقريب ذلك نقول: الرحمة صفة من صفات الله سبحانه وتعالى ولكن الله سبحانه وتعالى ليس رحمة ولا يسمى الرحمة هذا لأجل التقريب، كما أن الله عز وجل له حجاب وهذا الحجاب من نور وهذا النور من مخلوقات الله فنور الحجاب مخلوق من المخلوقات وهو حجاب الله سبحانه وتعالى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره} أو كما قال صلى الله عاليه وسلم .
بقيت نقطة : لم يثبت لله سبحانه وتعالى اسم النور ، لا يصح في أسماء الله الحسنى اسم النور ، ولذا ينبغي البعد عن التسمية بعبد النور كماينتشر عند البعض .
أما الوقفة الثانية حتى لا نطيل ، الوقفة الثانية مع قوله سبحانه وتعالى {أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم} إلى آخر الآية فهنا كلمة بيوتكم قد تشكل على البعض وذلك لأن بيت الشخص لا شك أنه لا جناح عليه أن يأكل منه فما الفائدة من النص على بيوتكم ؟
الفائدة أن المقصود بيوت الأبناء ، حتى تدخل بيوت الأبناء في هذا الأمر وإنما سماها الله سبحانه وتعالى بيوتكم لأجل أن مال الابن هو مال الأب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك فلا حرج على الرجل أن يأكل من بيوت أبنائه استنادا إلى هذه الآية ثم بعده ذكر من هم دون ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
مع سورة النمل (1)
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد فموعدنا اليوم مع ثلاث وقفات مع سورة النمل
ونبدأ الوقفات بتلك الوقفة اليسيرة وهي وقفة تتعلق باللغة قال الله عز وجل { حتى إذا أتوا على وادي النمل} أتوا لا تحتاج إلى كلمة (على) يكفي أن يقال: أتوا وادي النمل وإنما الآية جاء فيها اللفظ بقوله: { أتوا على} فبعض أهل العلم وجهوا ذلك بأن المقصود أنه قطع الوادي كاملا وهذه وجهة نظر ، ولكن الأولى في ذلك ما يسمى عند أهل اللغة بالتضمين يعني أن الفعل يتضمن فعلا آخر أتوا على واد النمل أي أتوا مشرفين على وادي النمل فأتوا تضمنت فعلا آخر وهو (أشرف) وهذا القول أٌقرب وأصح لأن سليمان عليه السلام لو قطع الوادي ما فائدة قول النملة {لا يحطمنكم سليمان وجنوه وهم لا يشعرون} هذا يدلل أنهم أشرفوا على الوادي فالنملة خافت على جماعة النمل وأخبرتهم بقدوم سليمان عليه السلام حتى يدخلوا المساكن، هذه الوقفة الأولى .
أما الوقفة الثانية فمتعلقة بالشخص التي أتى بعرش بلقيس من هو؟ عندنا أقوال ثلاثة : قول يقال : إنه رجل صالح يعرف اسم الله الأعظم ، ويقال إنه آصف، وإنه كان وزيرا لسليمان .
وهناك من يقول إنه عفريت ولكنه يعلم علما بخلاف العفريت الأول .
وهناك من يقول إنه سليمان عليه السلام نفسه وإنما كني عنه بالذي عنده علم من الكتاب حتى يبين أهمية العلم والمعرفة في كل أمور الحياة، الآية تقول: {قال الذي عنده علم من الكتاب} قال بعض المفسرين: أي سليمان عليه السلام هو عموما قول وجيه وإن لم يكن هذا القول فالقول بأنه جني عنده علم هو الأقرب .
أما قصة رجل صالح يعرف اسم الله الأعظم فهذه عليها ملاحظات كثيرة وهي قريبة مما تكلمنا عليه في قصة الخضر عليه السلام .
الوقفة الأخيرة وهي في الحقيقة طويلة تتعلق بالقصة ككل وقد كتبنا مقالا يتعلق بذلك منذ فترة طويلة يعني قرابة خمس عشرة سنة عنوانه هل كان سليمان عليه السلام إرهابيا؟ والمتأمل للقصة يرى أن سليمان عليه السلام أتى على هذه المملكة بدون أي مسوغ سوى أنهم لا يعبدون الله سبحانه وتعالى، ومما ذكرته في هذا المقال عندما أتاها الرسول بالهدية كان رده عليه السلام صارما حازما مهيبا مرعبا مرهبا حيث رد الهدية مع الرسول حيث قال: { أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم} إلى أن قلت: كلمات كالصواعق ترهب وترعب : رد للرسول بصيغة الأمر بعد رد الهدية واحتقارها ثم لام القسم مع نون التوكيد واستعمال نون العظمة في الفعل بقوله {فلنأتينهم} ثم ذكره للجنود ووصفه لهم بأنهم لا قبل لهم بها وفيه ما فيه من التهديد والوعيد ، ثم ذكر النتيجة قبل الحرب كمسلمة من المسلمات ومعها لام القسم مرة أخرى ونون التوكيد مرة أخرى ونون العظمة مرة أخرى وما هي النتيجة؟ إنها إخراجهم من بلادهم ودورهم ومساكنهم التي يملكونها وولدوا فيها وتربوا بين جنباتها وترعرعوا بين ربوعها، إنها بلادهم وبلاد آبائهم وأماتهم ونص عليه السلام على أن هذا الإخراج سوف يكون منها مع أن ذلك واضح من قوله {لنخرجنهم} ولكنه أكد أن الإخراج سوف يكون منها لا من غيرها . ولكن ؛ هل اكتفى عليه السلام بذلك ؟ لا، بل وصف حالهم عندما يخرجهم منها أنه سيخرجهم أذلة وقد كانوا أهل عزة ومنعة ونعمة وقد كان ذلك كافيا، ولكنه أكد إذلالهم وإهانتهم بعدة مؤكدات، فأتى بجملة حالية تحكي حالهم أثناء خروجهم من ديارهم ومسقط رؤوسهم وجعلها من مبتدأ وخبر وجعل المبتدأ ضميرا يعود عليهم ثم أخبر عنه بقوله{صاغرون} وكان يمكن أن يكون التعبير أذلة صاغرين ولكن قال (وهم صاغرون) ليفيد تلبسهم بهذا الصغار جملة وتفصيلا واستمراره معهم وتمكنه منهم …إلى آخر المقال
وهو مهم لمعرفة فقه الجهاد في شريعة الله سبحانه وتعالى وما الغرض منه والله سبحانه وتعالى أعلم.
مع سورة النمل (2)
***
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فوقفتنا اليوم بإذن الله ستكون مع آية أخرى من سورة النمل من الجزء العشرين وهذه الآية هي قوله سبحانه وتعالى [ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ] هذه الآية عمدة في الدلالة على أنه لا يعلم أحد الغيب إلا الله سبحانه وتعالى من المخلوقات في السموات أو في الأرض وحتى ينضبط هذا الكلام لابد أن يقال إن الغيب ينقسم إلى غيب مطلق و إلى غيب نسبي فالغيب المطلق هو الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى أما الغيب النسبي فقد يعلمه البشر ويعلمه الجن ، لماذا ؟ لأنه غيب بالنسبة للبعض ومشاهد للبعض الآخر ، بمعنى : كل ما حدث سابقا في الماضي قد رآه أناس فأصبح غيبا نسبيا لأن الذين رأوه أصبح بالنسبة لهم مشاهدة . وكذلك ما يحصل في مكان بعيدا عن شخص ما ، هو مشاهد بالنسبة لهؤلاء الذين في هذا المكان البعيد أما بالنسبة له هو فهو غيب ، وهكذا … فإذن إذا أتانا أحد وقد علم شيئا من الغيب النسبي فهذا لا حرج فيه ومن الممكن أن يطلع عليه ولكن طريقة الاطلاع تكون مشروعة وقد تكون غير مشروعة مثل الشيء المسروق يعرفه أصحاب التنجيم الذين يعملون ما يسمى بالمندل ونحو ذلك فهم يستعينون بالجن فيعرفون ما حدث ، من الذي سرق ، هذا غيب نسبي .
أما الغيب المطلق فيمكن أن يقال هو الغيب الذي لا يعلمه أحد إطلاقا إلا الله أو يدخل فيه ما أعلم الله عز وجل به بعض خلقه من الغيب الذي يعتبر أو كان في وقت من الأوقات يعتبر غيبا مطلقا مثل ما ينزل به الوحي قال الله عز وجل [ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ] وهنا لا يعتبر ذلك من علم الغيب لأن الله أطلع هذا الشخص على ذلك الغيب فإعلام الله لهذا الشخص أخرجه من الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .
وهذا الأمر لا ينفي أن من يعتقد معرفة الغيب في أحد من المخلوقات فهو مشرك بالله وقد كفر كفرًا أكبر لكن ما المقصود بالغيب هنا ؟ هو الغيب المطلق الذي لا يعلمه إلا الله وليس ما أعلمه الله لبعض خلقه .
والله عز وجل يعلم أنبياءه ورسله ويعلم بعض الأولياء والصالحين عن طريق الإلهام أو الرؤى أو التحديث كما قال النبي ﷺ (( إن يكن في أمتي محدثون فعمر)) ومريم عليها السلام أتتها الملائكة وكلمتها وأم موسى قال الله عز وجل [ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ] فحتى لا نطيل :
هناك من الغيب الذي يطلع الله عز وجل عليه بعض خلقه لكن الممنوع أن يكون الشخص يدعي علم الغيب يقول أنا أعرف الغيب ، يأتي بشيء في المستقبل ويدعي أنه عرفه بذاته مستقلاً وليس عن طريق رؤيا منامية قد تحتمل الصواب وقد تحتمل الخطأ.
ونختم بحديث الجارية التي قالت: وفينا نبيٌ يعلم ما في غدٍ فكان من النبي ﷺ أن رأف بها وعلمها على الرغم من كونها وقعت في شرك أكبر بظنها أن هناك من يعلم الغيب المطلق غير الله سبحانه وتعالى فلم يزد ﷺ على أن قال لها لا يعلم ما في غد إلا الله ..
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
مع سورة الروم
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد فمعنا اليوم وقفتان في سورة الروم
يقول الله سبحانه وتعالى في هذه السورة{ ومن آياته أن خلقكم من تراب} وفي آية أخرى في سورة أخرى قال الله سبحانه وتعالى { خلق من الماء بشرا} فهل خلق الإنسان من تراب أم من ماء؟ والجواب على ذلك أن أصل الخلقة من التراب وإنما كان الماء مخلوطا مع التراب بحيث صنع منه الطين كما في آية أخرى {من طين لازب} هذا على اعتبار أن كلمة ماء هنا المراد منها الماء المعهود .
وهناك وجه آخر أن الآية التي ذكر فيها الماء إنما المراد منها المني كما قال الله عز وجل: {من ماء مهين} فالماء هنا هو ماء الرجال والمقصود منه ذرية آدم عليه السلام أنها خلقت من هذا الماء المهين هذه الوقفة الأولى.
الوقفة الثانية: مع قوله تعالى { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا} ظاهر هذه الآية أن الله عزوجل يمتن على الرجال بأن خلق لهم النساء فاللام هذه تسمى لام الامتنان خلق لكم من أنفسكم أزواجا مشابه لامتنانه سبحانه وتعالى في خلق كل ما في الأرض كما قال: {خلق لكم ما في الأرض جميعا} فهنا إذا اعتبرت المرأة مما خلق سبحانه وتعالى للرجل كسائر المخلوقات التي خلقت في الأرض فلماذا تكلف ويكون عليها حساب وعقاب؟ هذا استشكال أثاره البعض
ورد عليه بأن ذلك من تمام النعمة ..
أولا: النعمة على الرجل الذي امتن عليه بخلق المرأة ؛ لأنها عندما تعرف أنها مكلفة وعليها حساب وعقاب وهي مشابهة له في خلقه ، لديها عقل ولديها اختيار فهذا الشيء يؤكد الألفة ويجعل الحياة متناسقة متناسبة لأن الله عز وجل خلق للذكر أنثى مشابهة له يستطيع أن يتعامل معها ليست مخلوقا يصعب التعامل معه لأنه ليس له عقل ولا فهم فهذا وضع التكليف يجعلها أولا تخشى الله سبحانه وتعالى وتفكر في المسؤولية وتفكر في الأجر الذي تتحصل عليه بطاعة الزوج وبخدمته وبالقيام بحقه والأمر الثاني : هو تكريم لهذه المرأة لأنها طالما كانت مختارة فإن جزاءها يوم القيامة هو الجنة إذا أحسنت مثلها مثل الرجل تؤجر وتنعم وتكون من أهل الفضل ومن أهل الخير في الآخرة بخلاف بقية المخلوقات التي لا جزاء لها ولا مكافأة .
هذا والله سبحانه وتعالى أعلم.
مع سورة الأحزاب
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد .
فموعدنا اليوم مع وقفة يسيرة مع آية من سورة الأحزاب وهي قوله تعالى:
(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ ).
هذه الآية حتى بعض المفسرين كابن كثير أعرض عن ذكر بعض الآثار الواردة فيها وأعرض عن ذكر حديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده خشية أن يضعه من لا يحسن في غير موضعه!
والقصة في الحقيقة لا يوجد فيها ما يطعن في رسول الله ﷺ ولا في مقام النبوة وكلام ابن القيم حولها وغيره من أهل العلم يدلل على أن القصة لاحرج فيها إذا وُضعت في موضعها الصحيح والنبي ﷺ وقع بصره على زينب يعني أنها أعجبته وهذا الأمر لا يشين الشخص ولا يشين منزلة النبوة فإن هذا الإعجاب ليس بيد الشخص، هذا أمر يخلقه الله سبحانه وتعالى في نفس الإنسان، والنبي صلى الله عليه وسلم حصلت له حادثة في الصحيح أنه مرت به امرأة فأتى زينب وكانت تمعس منيئة فوقع عليها ثم قال لأصحابه إذا رأى أحدكم امرأة فوقعت في نفسه فليأت أهله .
فقضية الإعجاب أمر يخلقه الله سبحانه وتعالى في الإنسان وليس له يد فيه، وإنما العبرة بالمسلك الذي يسلكه تجاه هذا الإعجاب ، فالنبي ﷺ على الرغم من حصول ذلك كلما أتاه زيد ليشتكي زينب ويريد أن يطلقها يقول له اتق الله وأمسك عليك زوجك وإن كان في نفسه ما في نفسه؛ ولأجل هذا قال له الله تعالى:
(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ ).
وقد كان الذي يخشاه النبي ﷺ أن زيداً لو طلق زينب وهذا قد أوحي إليه به أن مآل هذا الأمر أن يطلِق زيد زينب وأنه سيتزوجها إلا أن النبي ﷺ كان يخشى مقالة الناس كيف تزوج طليقة ابنه ، وقد كان تبناه في الجاهلية .. هذا أمر،
الأمر الثاني وهو قوله سبحانه وتعالى: وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه والخشية نوعان؛ عبادة لله سبحانه وتعالى، ونوع خشية جبلية قد تتفق أحياناً مع الخوف وهذا لا حرج فيه لأنه أمر طبعي.. وقد خاف موسى كما قال الله سبحانه وتعالى: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى )
فالخوف والخشية هي عبادات قلبية لله سبحانه وتعالى لكنها لا تكون عبادة إلا إذا اقترنت بشروط العبادة .. وأما الخشية والخوف والحب الجبلي الذي يحصل في نفس الإنسان لا يرتبط بتعظيم للمخُوف منه أو المخشِي منه، ولا يرتبط بكمال المحبة وكمال التعظيم مع هذه الخشية ونحو ذلك من شروط العبادة فلا يعتبر ذلك من الشرك بالله سبحانه وتعالى في عبادته، والله أعلم.
مع سورة الصافات
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد فسنقف اليوم وقفة مع سورة الصافات يقول الله سبحانه وتعالى في معرض قصة إبراهيم مع ولده { يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك} وهنا اختلف المفسرون من هو هذا الذبيح ونظرا لوجود بعض المتعالمين الذين انضووا تحت علماء السلاطين ويتشدقون بمثل هذه الخلافات ثم يرجحون ما هو مرجوح من هذه الأقول أحببت أن أقف هذه الوقفة للتأكيد على أن الذبيح هنا هو إسماعيل عليه السلام وليس إسحاق كما هو مرجوح وبطبيعة الحال القول بأنه إسحاق فيه تشريف لبني إسرائيل وهذا يوافق التطبيع الذي يدعى إليه الآن
والصواب والذي عليه جمهور العلماء ودلت عليه الأدلة المتكاثرة التي لا ينبغي أن يحيد عنها أحد أن الذبيح إسماعيل عليه السلام، وهذا أمر يكاد أن يكون بدهيا للمتأمل فإذا تأمل الشخص قصة الذبح علم أنها كانت بمكة وأن الذبح كان بعد مناسك الحج فأين إسحاق عليه السلام من هذا المكان، فأولا إسماعيل هو الابن البكر لإبراهيم عليه السلام وكان الأمر بذبحه من الابتلاء العظيم لأن إسماعيل عليه السلام إنما أتى لإبراهيم عليه السلام بعد أن يئس من الإنجاب وكان هذا الابتلاء بالنسبة له من أعظم البلاءات فإنه بجوار الابن فهو ذبح الابن البكر الذي أتى له على كبر وبعد شبه يأس .
أخشى أن أطيل فأحب أن أجمل وأقول: إن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر إسماعيل قال{ فلما بلغ معه السعي} والسعي هنا المراد به ما قام به من عمل معه في بناء الكعبة ، ثم لما أتاه جبريل وعلمه المناسك أري في ليلة من ليالي الحج أن يذبح إسماعيل، فاستجاب لأمر الله سبحانه وتعالى ونزل الكبش فداء له من جبل ثبير، في هذا المكان وفي هذا التوقيت وهذا لا يوجد له أي أثر في ذكر إسحاق عليه السلام، ولما حصل ذلك لحق هذا بمناسك الحج كما يفعل الآن الحجيج .
والعجيب أن قرنا الكبش بقيا في الكعبة حتى رأها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بتغطيتها حتى لا تلهي المصلي الذي يصلي داخل الكعبة ، وبقيت أيضا حتى احترقت الكعبة واحترق القرنان مع ما احترق من الكعبة .
هذه أدلة صريحة ويضاف إليها أيضا ما يعتبر ثابتا في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم هو ابن الذبيحين وقد روي ذلك من طرق منها طريق حسنة تدلل على ذلك . والله سبحانه وتعالى أعلم .
مع سورة غافر
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،
فسنقف اليوم وقفة مع سورة غافر
وهذه السورة تسمى أيضا سورة حم المؤمن لأجل ذكر مؤمن فرعون فيها .
وفي قصة فرعون نجد أن الله سبحانه وتعالى قال: {وقال فرعون ياهمان ابن لي صحا لعلي أبلغ الأسباب} هذه الآية استدل بها أهل السنة والجماعة على علو الله سبحانه وتعالى على خلقه وأنه في السماء لأنها تدلل على أن موسى عليه السلام أخبر فرعون أن الله سبحانه وتعالى في السماء ولذلك أخذ فرعون هذا الأمر وذكر ما يدل عليه في هذا الطلب فإنه قال (لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى) ثم قال { وإني لأظنه كاذبا} وهذا يعني أن موسى عليه السلام أخبره بأن الله في السماء وهو يريد أن يكذبه بهذا البحث . فالله سبحانه وتعالى على مذهب أهل السنة والجماعة في السماء والمقصود بقولنا في السماء أي فوق السماء فإن كلمة في لا تعني الحلول والظرفية في هذه الآية كما في قوله تعالى { ولأصلبنكم في جذوع النخل{ والمقصود على جذوع النخل} وكذا في قوله تعالى{ فامشوا في مناكبها} فليس المراد منها داخل الأرض وإنما فوق الأرض وعلى ظاهرها فكلمة في تأتي بمعنى الظرفية وتأتي بمعنى على والله سبحانه وتعالى منزه من أن يحل في شيء من مخلوقاته بل إن الله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء وفوق كل شيء فهو الظاهر فليس فوقه شيء . والله سبحانه وتعالى موجود من قبل أن يخلق السماوات والأرض .
ومن اللطائف أن هناك من اعتبر أن هذه الآيه يراد بها الأهرامات التي هي في مصر وقالوا إنها هي التي قصدها فرعون وطلب من هامان أن يبينها له وهذا القول خطأ تاريخيا وعلميا فإن هذه الأهرامات من عهد القدماء المصريين وكانوا يفعلونها على مقاسات متعددة ويوجد منها أنواع ويوجد منها في السودان أيضا ، هذه الأهرامات إنما هي قبور كانت تعمل يحتفظ فيها بالمومياوات وما ترك الفراعنة ولا علاقة لها بالصرح الذي طلب فرعون تشييده من هامان لكي يطلع على السماوات، وأهل العلم ذكروا أن فرعون ليس قاصدا حقيقة هذا الأمر وإنما ليلبس على الدهماء كما يحصل من الزعماء حتى يشعروا الدهماء أنهم يبحثون عن الحق ويريدون الوصول إلى الأمور بأسباب وبأبحاث وهم في الحقيقة كذبة إنما يقصدون التلبيس والتمويه فقط على العوام وإنما هم على ماهم عليه لا يغيرون شيئا وليس في اعتقادهم الوصول إلى الحق والله سبحانه وتعالى أعلم.
مع سورة الشورى والدخان والزخرف
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فاليوم سنقف عدة وقفات ونبدأ الوقفة الأولى مع سورة الشورى
يقول الله سبحانه وتعالى في هذه السورة {وجزاء سيئة سيئة مثلها} ويقول{ ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} إشارة سريعة حتى لا نستغرق الوقت المقرر لحلقة اليوم فنقول:
الانتصار هذا من الشيم التي يتصف بها المؤمن ؛ أن ينتصر ممن ظلمه ، خاصة إذا كان هذا الظالم ليس ممن يستحق العفو .
والانتصار بمثل ما أوذي به الشخص هذا .. شرعه الله سبحانه وتعالى وقد قال أيضا{ ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله} هذه الجزئية غابت عن كثيرين في هذه الأزمان عندما حصل الاعتداء من الكثير من أعداء الملة على المسلمين في أنحاء الأرض فانتصر بعض المجاهدين بما شرع الله سبحانه وتعالى فاستنكر جمع من الناس هذا الانتصار وقد نقل عن الشيخ ابن عثمين تسجيلا يذكر فيها أن الكفار إذا قتلوا أطفالنا ونساءنا فلنا أن نقتل أطفالهم ونساءهم معاملة بالمثل وانتصارا .. هذه اللفة الأولى ولا أريد أن أطيل فيها.
اللفتة الثانية هي مع سورة الدخان : الله عز وجل يقول: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} هناك من قال إن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان ولكن الصحيح والذي عليه الجمهور أنها ليلة القدر وهي التي فيها يفرق كل أمر حكيم .
وننبه هنا أن ليلة القدر قد أخفاها الله سبحانه وتعالى ولم يحددها لعلة وفائدة تخص المسلمين ، حتى يظل النشاط والحماس ولا يفتر المسلم .
هناك من يحدد هذه الليلة عن طريق الرؤى وعن طريق ..كما مر علي ، أحد المريدين يقول : إن شيخه كشف له أن ليلة القدر أصبحت تأتي في الليالي الفردية بطريقة عكسية في السنوات فالسنة الماضية كانت ليلة الخامس والعشرين ، هذه السنة تكون الثالث والعشرين والسنة القادمة الحادي والعشرين ، وهذه من خرافات الصوفية ولا يلتفت لها . أما الرؤى فهي حقيقة معتمدة من أيام النبي صلى الله عليه وسلم في تحري ليلة القدر وليس في تحديدها بدقة ، خاصة في هذه الأزمنة فإنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يؤول أما المؤولون الآن فربما أصابوا وربما أخطأوا فإنه يستأنس بالرؤى ولا تعتبر دليلا وتحديدا لليلة القدر.
الوقفة الأخيرة في سورة الزخرف : نقف فيها وقفة لغوية في قوله تعالى { ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة } هنا (من) بمعنى بدل وليست (من ) التبعيضية أو (من) الابتدائية وإنما هي (من) التي بمعنى البدل كما يقول الشاعر:
جارية لم تأكل المرققا ولم تذق من البقول الفستقا
يعني ما أكلت بدل الجرجير أو الفجل أو البقول هذه تسمى البقول في اللغة، لم تأكل بدلا من ذلك الفستق.
ونكتفي بهذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مع سورة الأحقاف
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد .
فموعدنا اليوم مع وقفات يسيرة من سورة الأحقاف وهي قوله تعالى:
(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ …ۚ)
هنا كلمة كل شيء؛ هل دمرت الريح الجبال؟ هل دمرت الريح الصخور؟ ماذا دمرت؟
الله عز وجل يقول: (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ…) معناها أن المساكن باقية، فكيف تدمر كل شيء ؟!
الجواب.. أن كلمة (كل) تأتي ولا يراد بها حقيقة الشمولية، وإنما المقصود كل ما يقبل التدمير في العادة، وهذا مثل قوله سبحانه وتعالى: (وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) معلوم أنها أوتيت خيراً كثيراً، لكن سليمان عليه السلام كان لديه ما هو أكثر منها بكثير، فأيضاً كل شيء معناه أوتيت من كل شيء يكون عند الملوك في العادة..
وكذلك في الحديث عنه ﷺ أنه كان يخطب بسورة (ق) كل جمعة فالصحابية قالت إنها حفظتها من في رسول الله ﷺ يخطب بها كل جمعة، ومن المؤكد والمعروف أن النبي ﷺ خطب بغير سورة (ق) فالمقصود أنه كررها كثيراً..
فكلمة كل؛ تأتي ويراد بها الكثرة وشمول ما يمكن أن يكون في العرف والعادة وليس المراد حقيقة الشمول التي لا تدع شيئاً إلا وشملته.
لدينا وقفة أخرى وهي في قوله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ…)
حيث قال: حكاية عنهم (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى…)
ونحن نعلم أن الله أنزل الإنجيل، فكيف قالوا من بعد موسى ولم يقولوا من بعد عيسى؟!
فهناك من أهل العلم من قال إن هؤلاء كانوا من اليهود، وهم فعلاً كذلك لأنهم كانوا من اليهود في منطقة تسمى نصيبين.. فقالوا : إن هؤلاء يهود ولا يؤمنون بعيسى عليه السلام، وإنما كانوا على ديانة موسى ولذا قالوا من بعد موسى.
وهناك من قال : إنهم إنما قالوا ذلك ، لأن الإنجيل كان تعاليم ومواعظ، ونحو ذلك ولم يكن فيه من التشريع وإنما كان تابعاً لتشريعات موسى عليه السلام . وإلى الآن النصارى كما تعلمون، لديهم ما يسمى بالعهد القديم والعهد الجديد.. والعهد الجديد عبارة عن أسفار التوراة الخمسة ومزامير داوود وسفر سليمان ونحو ذلك؛ ولديهم العهد الجديد ويشمل الأناجيل الأربعة، متى ولوقا ومُرقص ويوحنا ورسائل أعمال الرسل ونحو ذلك أيضاً.
فهم يعتمدون في التشريعات على التوراة وهذا هو القول الثاني والله تعالى أعلم.
مع سورة الحديد
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ..
أما بعد .. فسنقف اليوم وقفة يسيرة مع آية من سورة الحديد
يقول الله سبحانه وتعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز}
نلاحظ هنا في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى ذكر الرسالة وذكر أن الرسل أرسلوا بالبينات وبين أنه أنزل معهم الكتاب وهذا الكتاب معلوم أنه أنزل لكي يسير عليه أتباع هؤلاء الرسل وأن يكون هو الحكم بين الأتباع ثم ذكر إنزال الميزان ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي أمر عز وجل به في كتابه ثم ثنى بذكر الحديد، هذا هو المراد والذي سميت به السورة أساسا، {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} وهذه فيه إشارة عظيمة أن إقامة العدل وإقامة شرع الله سبحانه وتعالى ونشر الدعوة وانتشار الرسالة لا يتم إلا بالحديد لابد بدعم من القوة لا بد من نصرة هذا الدين بالسلاح، هذا هو الذي أريد من ذكر الحديد بعد ذكر الرسالة ولذا قال الله سبحانه وتعالى {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} ثم قال: {وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب} وهذه النصره للدين لا بد أن تكون بالقوة والسلاح ولا يصلح ما يدعيه البعض من أن الدين ينشر فقط بالدعوة وباللين وبالرأفة ونحو ذلك، ومر علي في الحقيقة مقال جميل أحب أن أشارككم ما جاء فيه، يقول من كتبه لو الحضارة المدنية والتطور العلمي ينفع وحده كان نفع الأندلس حين أغار الإسبان على أهلها وهم جلهم شعراء وفلاسفة، ولو كانت الكتب وكثرتها تحفظ الدولة كانت حفظت بغداد عند صولة التتار عليها وهي التي تحوي مئات آلاف الكتب، ولو الحلول السلمية تمنع المجزرة كانت منعت مجازر هولاكو في دمشق، وهي التي سلمت تسليم اليد .
كل تلك الأركان بغير سلاح، هباء منثور لا قيمة له، ولولا السلاح من بعد الله لما كانت لابغداد ولا دمشق ولا الأندلس ولا كانت لا كتب ولا حضارات ولا عمران، تاريخك الذي تعتز به كان أصحابه ينامون والسلاح بأيديهم ولا ننسى أن الله عز وجل في سورة النساء ذكر أهمية هذا السلاح فقال: {ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة} .
نكتفي بهذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مع سورة التحريم
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فوقفتنا اليوم مع آيات من سورة التحريم وهي الآيات التي تتحدث عن مشكلة زوجية حصلت في بيت النبي ﷺ وعاتبه الله سبحانه وتعالى فيها وحتى لا نطيل نقول :
هناك بعض الوقفات اللغوية والوقفات المنهجية في التعامل مع القرآن الكريم :
يقول الله سبحانه وتعالى : [ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ] نلاحظ هنا أن الحديث مع امرأتين وهما عائشة و حفصة رضي الله عنهما ومع ذلك قال الله سبحانه وتعالى : قلوبكما ، وكل واحدة لها قلب فالأصل أن يكون : قلباكما ، ويكون : صغى ، ولكن في اللغة يستثقل دائما الجمع بين المثنى مرتين . ولذلك أيضًا قال الله عز وجل [ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ] لم يقل : يديهما ؛ حتى لا يجمع بين مثنيين في نفس الكلمة ..هذا شيء .
عندنا أيضًا : الله عز وجل يقول [فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ] ثم قال [ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ] ذكر جبريل وهو داخل في الملائكة ، فلماذا ذكر جبريل هنا ؟
ذكر جبريل هنا دلالة على عظم قدر جبريل عليه السلام وهذا في اللغة دائما إذا عطف على العام بعض أفراده أو عطف العام على بعض أفراده فيكون هناك سبب . السبب يكون : التكريم ، التعظيم، التنبيه ، الأهمية .. فهنا ذكر جبريل مفردا لأنه أقوى الملائكة وهو الذي كان يرسل بالعذاب كما هو معروف في قصة إنزال العذاب على قوم لوط .
أيضًا عندنا هنا مسألة مهمة جدا في التعامل مع القرآن الكريم وكيفية فهم آياته .. الله عز وجل ذكر أن القرآن (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منهم ) وهذه الآية من الآيات التي اهتم بها الرافضة للتلبيس على المسلمين فهم عليهم لعنة الله يحرفون هذه الآيات ويستغلونها ويستدلون بها للطعن في أمهات المؤمنين وخاصة عائشة رضي الله تعالى عنها والذي يريد أن يسلك الطريق الصحيح ينظر إلى سياق الآيات ما قبلها وما بعدها والآيات الأخرى التي نزلت في أزواج النبي ﷺ وطهارتهن وصلاحهن ومنزلتهن العالية عند الله سبحانه وتعالى فلا تلتبس عليه الأمور ولا يمكن أن يلبس عليه هؤلاء الرافضة لعنهم الله .
نقطة أخيرة وهي الدلالة على القدر التي تحدثه المرأة في نفس زوجها من الألم إذا أساءت إليه فإن النبي ﷺ عندما حصل من أزواجه بعض الإيذاء له اعتزلهن شهرًا ونزلت هذه الآيات في مثل هذه الأمور وفيها أن الله عز وجل هدد النساء تهديدًا عظيمًا جدا وهذا يدل على عظم الإيذاء وإلا فامرأتان لا يحتاج الأمر أن يقال أن يقف أمامهما الله سبحانه وتعالى وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ولكن هذا تهديد عظيم أولا ، ثانيا : دلالة على عظم قدر النبي ﷺ عند الله سبحانه وتعالى فإنه لا يرضى له أن يتألم ولو كان ألما طبعيا في مشكلة أسرية والله سبحانه وتعالى أعلم
مع سورة الملك والقلم
***
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فسنقف الليلة وقفة مع سورة الملك ووقفة مع سورة القلم.
أما وقفتنا مع سورة الملك فهي مع قوله سبحانه وتعالى { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين} هنا تساؤل:
هذه النجوم جعلها الله سبحانه وتعالى زينة فإن كانت رجوما للشياطين فإنها ستزول من مكانها وتختفي، هذا ما قد يتبادر للذهن ..
والرد على هذا : أن الشياطين إنما ترمى بالشهب وهذه الشهب هي أجزاء وقطع منفصلة عن هذه الكواكب التي جعلها الله عز وجل زينة ، فالذي جعل رجوما للشياطين بعض أجزاء من هذه الكواكب أو النجوم وهنا لا إشكال والحمد لله رب العالمين .
هناك إشكالات في مسألة استراق السمع ، هذه الشهب التي يرمى بها هي في الحقيقة لاتصيب مائة بالمائة وإذا أصابته فإنها أيضا لا تقتله دائما، وإنما تحرق بعضه ولا تقتله قتلا . وفي أحيان كثيرة يصلون إلى بعض المعلومات من الملائكة وينقلونها إلى الكهنة ، فهذا الذي ينجو ينقل المعلومة إلى الكاهن . أيضا يقال : طالما أن الله عز وجل خلق الجن من النار فكيف يقذف بنار ؟ هذه هي نفس المادة!
وهذا الرد عليه يسير لأن الإنسان خلق من تراب والتراب يقتله إذا دفن فيه أو إذا ضرب بتراب أو طين يابس فإنه يقتله ؛ فكذلك النار تحرق النار لأن المادة الأصلية ليست هي الواقع الآن كما نحن الآن خلقنا من التراب ولكن هل نحن تراب الآن ؟
وهناك من قال : إن بعض هذه النار أشد والنار الأشد تؤثر في النار الأقل . والتوجيه الأول واضح وصريح .
وأما وقفتنا مع سورة نون فالله عز وجل يقول: {لنبذ بالعراء وهو مذموم} وفي آية أخرى قال: {فنبذناه بالعراء وهو سقيم} فكيف هذه الآية تقول {لنبذ بالعراء وهو مذموم} والآية الأخرى تثبت أنه نبذ بالعراء فالجواب هنا أن الآية التي تقول {لنبذ بالعراء وهو مذموم} تتكلم عن حاله عندما نبذ ولاتتكلم عن النبذ نفسه فإنه قد نبذ ولكنه لم ينبذ وهو مذموم وإنما نبذ وقد تاب الله سبحانه وتعالى عليه فجملة وهو مذموم جملة حالية تبين حاله عندما ينبذ وهذه الحال الله عز وجل منع حصولها وتكرم عليه ونبذه بالعراء غير مذموم والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله عليه وسلم.