الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فقد انتشر قبل فترة منشور وعاد للظهور من جديد وبقوة حول معنى قوله تعالى (واضربوهن) ونظرا لانتشاره الواسع وطلب بعض الإخوة التعليق عليه لأن كثيرا من الناس اغتر به سأكتب هذه الكليمات بعد أن أحذر تحذيرا شديدا من نشر هذا المنشور وبيان أن ما جاء فيه تحريف شديد لكتاب الله وهو نفس ما كان يسلكه اليهود والنصارى في تحريف كتبهم بالعبث في معانيها بطريقة تخفى على الدهماء وهذا يصل بصاحبه للكفر والخروج من دين الله جملة . وأقول :
أولا : إياك أن تأخذ شيئا من العلم الشرعي عن شخص ليس من علماء الشريعة المشهود لهم بالعلم وله ترجمة واضحة تشهد له بذلك كما لا تعالج نفسك إلا عند طبيب متخرج من كليات الطب وله شهادة تخصصه وتاريخه العملي .
ثانيا : على وجه الخصوص القرآن لا يفسر بالرأي المحض حسب اللغة فقط وإنما له أصول يرجع لها غير مدلولات اللغة فهي واسعة ومن أهم أصوله التطبيق العملي المفسر له من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام .
ثالثا : كاتب المقال أجهل من دابته في اللغة حيث لا يعرف الفرق بين ما يسمى المتعدي بنفسه والمتعدي بغيره ولا يعرف الفرق بين الحذف في اللغة وعدمه
فكلمة ضرب تتعدى بنفسها فتقول : ضرب الباب أو ضرب الطفل أو ضرب الرجل أو ضرب المرأة بدون أداة تعدية كالباء أو على أو بين وهذه لا يراد منها إلا البطش باليد أو بآلة للضرب وهو المعنى المشهور المعروف وقد جاء في عدة مواضع من القرآن أعرض عنها هذا الجاهل أو المحرف مثل قوله (يضربون وجوههم وأدبارهم )
وإذا دخلت الباء على آلة الضرب فنفس المعنى كما في قوله : { اضرب بعصاك البحر) وقوله (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث )
أما ضرب به أو ضرب عليه أو ضرب في أو ضرب بين فهذه تحمل معنى جديدا غير الضرب المعهود من معاني الإعراض أو السفر أو الحجز ونحو ذلك
وكلمة ضرب عنقه هي ضرب حقيقة ولكن بآلة حادة وهي السيف وهي محذوفة مقدرة لعدم خفائها على أحد .
فهذا الجاهل جهلا مركبا أو المحرف لكتاب الله إن كان قاصدا خلط بين المعنيين وللتوضيح أكثر نقول :
كلمة أخذ مثلا لها معنى معروف إذا لم تتعد بأداة فتقول أخذ الكتاب يعني قبضه وأما إذا عديت فتقول أخذ بيده أي ساعده وأخذ في الكلام يعني استرسل فيه وأخذ على يده أي أدبه وعاقبه وأخذ في نفسه يعني حزن وأخذ بين الجبلين يعني سار بينهما وهكذا
أما فاضربوهن فهي في الكتاب والسنة والإجماع المراد بها الضرب المعهود ولا يكون إلا بسبب النشوز وبعد عدم جدوى الوعظ والهجر ويكون بضوابط معينة حتى لا يتصيد المتصيدون وبالرجوع لأي كتاب في التفسير يتضح ذلك وحتى لا نطيل وكما يقال إنه من المعضلات توضيح الواضحات ننقل هنا ما ذكره الإمام ابن كثير مختصرا بعد ما نذكر سبب نزول الآية أصلا من تفسير الإمام الطبري مختصرا أيضا :
عن الحسن : أن رجلا لطم امرأته فأتت النبي صلى الله عليه وسلم , فأراد أن يقصها منه فأنزل الله { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه وقال : ” أردت أمرا وأراد الله غيره وعن قتادة نحوه وعن الحسن : أن رجلا من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص فنزلت : قوله { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه } ونزلت { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم وعن ابن جريج قال : لطم رجل امرأته فأراد النبي صلى الله عليه وسلم القصاص فبينما هم كذلك نزلت الآية
وعن السدي : أن رجلا من الأنصار كان بينه وبين امرأته كلام فلطمها فانطلق أهلها فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهم {الرجال قوامون على النساء }الآية . وكان الزهري يقول : ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس ويقول : لو أن رجلا شج امرأته أو جرحها لم يكن عليه في ذلك قود وكان عليه العقل إلا أن يعدو عليها فيقتلها , فيقتل بها
_ هذا سبب النزول وأما التفسير :
وقوله : ( واضربوهن ) أي : إذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران ، فلكم أن تضربوهن ضربا غير مبرح ، كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال في حجة الوداع : ” واتقوا الله في النساء ، فإنهن عندكم عوان ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ” .
وكذا قال ابن عباس وغير واحد : ضربا غير مبرح . قال الحسن البصري : يعني غير مؤثر . قال الفقهاء : هو ألا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا .
وعن ابن عباس : يهجرها في المضجع ، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضرب ضربا غير مبرح ، ولا تكسر لها عظما ، فإن أقبلت وإلا فقد حل لك منها الفدية .
وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تضربوا إماء الله ” . فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ذئرت النساء على أزواجهن . فرخص في ضربهن ، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ، ليس أولئك بخياركم ”
وعن الأشعث بن قيس ، قال ضفت عمر ، فتناول امرأته فضربها ، وقال : يا أشعث ، احفظ عني ثلاثا حفظتهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسأل الرجل فيم ضرب امرأته ، ولا تنم إلا على وتر . . . ونسي الثالثة .
ولا يزايد أحد على الإسلام فتكريم الإسلام للمرأة وضمانه لحقوقها على زوجها أمر مسلم به ويكفي القول الجامع المانع من رسول البشرية صلى الله عليه وسلم : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي .
وكتب
د.محمد بن رزق بن طرهوني
24 ربيع ثان 1441 هـ