الرد على الدكتور عبد العزيز القاري حول تشريع الجهاد 3/ 1424هـ
نشر موقع المختصر للأخبار مقالا للدكتور عبد العزيز القاري باسم تشريع الجهاد وقد تعقبه الدكتور محمد طرهوني في دورته المقامة في فقه الجهاد من خلال كتاب الجهاد من صحيح البخاري وبين خطورته وشكك في نسبته للدكتور القاري وذلك ضمن
المحاضرة الحادية عشرة من الدورة وهذا هو تفريغ الرد :
أريد أن أعقب تعقيبا لطيفا حول مقال نشر في صفحات الانترنيت و نسب لفضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز القاري يتعلق بتشريع الجهاد و لا أدري أهو صحيح النسبة إلى الشيخ أم لا لأنه ليس بصوته ثم إنه ليس في موقع رسمي للشيخ حتى يعتمد أنه منسوب إليه حقيقة لكن نحن نعقب على ما جاء في هذا المقال المتعلق بتشريع الجهاد الإسلامي.
الذي يقرأ المقال يقع في نفسه مفهوم ليس بصحيح لأن المقال أكد على مسألة و هي أن النبي عليه الصلاة و السلام عندما كان بمكة لم يأمر أصحابه بالانتصار لأنفسهم و كانوا يضربون و يعذبون و يقتل منهم و لم يجابهوا الكفار في مكة و لم ينتقموا لأنفسهم ثم بعد ذلك بحثوا عن النصرة و عن المكان الذي يستطيعون أن يتقووا فيه و يجتمعوا و يبدؤوا تنظيم أنفسهم للجهاد في سبيل الله و في هذه الحال شرع الله لهم الجهاد.
كأنه يقول و قد صرح بذلك أن حالنا الآن لا تصلح لا لجهاد الدفع و لا لجهاد الطلب لأننا غير مؤهلين و ليس لنا منعة و لا قوة فلا يمكن لنا أن نجاهد و لا حتى جهاد الدفع و هذا كلام خطير جدا.
أولا: لم يسبق إليه الشيخ من أحد من أهل العلم خلال هذه العصور كلها فإنه لا يوجد أحد من أهل العلم يقول بأن المسلم لا يجاهد جهاد الدفع في حال من الأحوال و أن يستسلم و يرضخ لعدوه لأنه غير مؤهل و لا يوجد منعة و نصرة تؤيّده و تقف معه.
هذا لم يسبق إليه أبدا و لابد أن يأتي بمن سبقه من أهل العلم بتقرير ذلك و تنظير هذه المسألة.
ثم إن الاستدلال الذي استدل به في غير محله فالنبي صلى الله عليه و سلم لم يأمر الصحابة أن لا ينتصروا لأنفسهم بل إن الذين لم ينتصروا لأنفسهم كانوا ضعفاء أصلا لا يستطيعون أن يجابهوا و كان ذلك لضعفهم و ليس لأنهم لا ينتصرون ويدافعون عن أنفسهم.
فمثلا بلال رضي الله عنه عندما كان يعذب كان عبدا يعاقبه سيده فمن الذي يستطيع أن يجابههم و هو بهذه الحال.
لكن عندما أسلم حمزة رضي الله تعالى عنه جاء في السيرة انه رفع قوسه فضرب رأس أبي جهل فشقها.
و عمر رضي الله تعالى عنه عندما أسلم أخذ يضارب في القوم و يحدث فيهم الإصابات الشديدة نهارا كاملا حتى استطاعوا أن يغلبوه و لا يخلصه منهم إلا العاص بن وائل.
فليس الأمر كما ذكر أنهم لا يدافعون و لا ينتصرون و لكن هكذا كانت قدراتهم إلا أنهم لم يؤذن لهم في القتال بمعنى القتل المباشر للكفار و أما أن يردوا الإيذاء و يدافعوا عن أنفسهم فهذا لم يكن كما ذكر.
ثم إن التشريع الذي شرعه الله عز وجل لا يتغيّر و يرجع فالجهاد أصبح مشروعا بهجرة النبي صلى الله عليه و سلم، فكونه يعود إلى زمن قد مضى و أن يرجع الأمر لا جهاد فيه هذا أمر يحتاج إلى إثبات و يحتاج إلى نص يبيّن انه إذا كان الأمر كما كان في العهد المكي فإنه يرجع الأمر كما كان و لا يكون هناك جهاد، لم يقل أحد بذلك و لا يقول احد بأن الخمر تجوز و تحلّ لمن بدأ في الإسلام حتى يتخلص من تعلقه بالخمر فيحرم الخمر عليه و لا أحد يقول أن الزاني الذي تعوّد الزنا يستمر في زناه حتى يصل إلى درجة معينة من الإعداد و القوة الإيمانية التي تجعله يترك الزنا.
هذا فيه خلل عظيم جدا في التشريع أو في فهم التشريع بالمعنى الأصح، ثم إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يوحى إليه فالله عز وجل هو الذي حدد المدة التي فرض بعدها الجهاد لكن نحن الآن من الذي يحدد لنا المدة ؟؟
الشيخ صاحب المقال يقول حتى و إن كانت مئات السنين هذا كلام باطل. يعني يمكن أن نجلس عمرنا كله حتى تقوم الساعة و نحن نختلف هل وصلنا إلى الإعداد حقيقة الذي يؤهلنا للجهاد أم لم نصل؟
النبي صلى الله عليه و سلم مضى من عمره في مكة ثلاث عشرة سنة ثم أمر بعدها بالقتال و نحن كم سنجلس ؟ لا ندري؟
النبي صلى الله عليه و سلم كان مأمورا بوحي ، و الله عز وجل هو الذي حدد له فمن الذي سيحدد لنا ؟ و من الذي سيبين لنا أن الفترة التي تشابه الفترة المكية قد انتهت ؟
هذا كلام لا دليل عليه.
ثم ما هي مواصفات الإعداد التي يتطلبها من يجاهد في سبيل الله، هذه المواصفات تحتاج إلى نصوص لتنزل على هذه المواصفات و تحديدها و تحديد أصحابها و في نسبة كم من الناس حتى نعرف متى نستطيع أن نقول إن هذه الأمة أصبحت مهيأة للجهاد باكتمال إعدادها ؟
أيضا هذا الكلام دونه قلل الجبال .
ثم من يعقل أننا نسلم حرماتنا يعني إذا جاء الأعداء الآن وأرادوا أن ينتهكوا الكعبة و المدينة النبوية و حرمات المسلمين نفتح لهم الأبواب و لا نقاتلهم و لا ندفعهم لأننا غير مؤهلين ؟
هذا هراء ! هذا الكلام يا إخوان هراء ! لم يقل به أحد من أهل العلم و لا يقول به أصلا إنسان عاقل ، هل يعقل لأننا غير مؤهلين نمكّن أعداء الله عز وجل من حرماتنا و مقدساتنا ومن أموالنا و نسائنا و أرضنا و أهلينا و نقول لأننا غير مؤهلين و إننا نحتاج إلى إعداد ؟
هذا عبث
لا بد عند تقرير المسائل أن يرجع الأمر إلى كلام أهل العلم السابقين الذين فهموا النصوص الشرعية و يستدل بفهمهم و يستنار بكلامهم و يستضاء بهديهم أما تقرير المسائل بصورة منفردة بلا سلف و لا أحد من أهل العلم و في قضايا خطيرة مثل هذه القضايا فهذا شيء عجيب .
ثم لنسأل أنفسنا سؤالا هل كانت الأمة سابقا مؤهلة في جميع عصورها ؟ أين التأهيل في غالب عصور الأمة ؟ لا يمكن أن نجزم أن هناك عصرا كان مؤهلا تأهيلا صحيحا إلا عصر النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه أما بقية العصور من أين لنا أنها مؤهلة تأهيلا و معدة إعدادا كاملا يمكنها أن تجاهد في سبيل الله عز وجل فضلا أن تدفع فالمقال أدخل الدفع أيضا ليس فقط الجهاد بمعنى الغزو و إنما أدخل الدفع و هذا الأمر خطير خطير جدا .
أين الزناة و السكارى وولاة الجور ؟
مثلا عصر الحجاج هل كان الناس مؤهلين فيه تأهيلا كاملا ؟ إذا قيل هذا فمن الذي يفرق بين عصر الحجاج و بين أي عصر آخر ؟
الحجاج كان آية في الظلم و الجور و مع ذلك كان يقاتل تحت رايته غزوا في سبيل الله فكيف بالدفع ؟
أردت أن أنبه في عجالة و أتعقب هذا الكلام لأنه كلام خطير و نشر في الساحة و دورتنا في الجهاد و لابد من محاولة توضيح الأمور للناس و ظني بالشيخ إن شاء الله إن كان كتب هذا المقال أن يوضح أكثر و يزيل هذا اللبس الذي ظهر في كلامه أو أن يتراجع عنه إن كان وجد فيه شيئا من الخطأ أو أن يبين أنه ليس هو صاحب هذا المقال.
على كل حال هذا النقد نقد للكلمات و ليس نقدا لذوات الأشخاص و الله تعالى أعلم.
من محاضرة للشيخ الدكتور محمد الطرهوني من دورته في فقه الجهاد من خلال كتاب الجهاد من صحيح البخاري
قام بتفريغه أخوكم
أبو البراء الجزائري
وهذا هو مقال الدكتور القاري المردود عليه :
تشريع الجهاد / د. عبد العزيز القارئ
الاسلام اليوم / قال تعالى: ( أُذِنَ للذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيرِ حَقٍّ إلاَّ أَنْ يًقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَولاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضًهُمْ بِبَعضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيها اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز * الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَ آتَوُا الزَّكَاةَ وَ أَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنْكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) [ 39-41 / الحج ].
هذه الآيات الثلاث رسمت المنهج الكامل للجهاد والدعوة ففيها الكفاية والغنية لمن تدبر وكان فقيهاً:
وموضوعنا في هذا الفصل الآية الأولى، وهي أول آية نزلت في القتال كما قال غير واحد من السلف منهم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه وقال رضي الله عنه: نزلـت في محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ حين أُخرجوا من مكة(1) .
وهذه الآية نزلت في طريق الهجرة لما أَخْرجت قريشٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فقد روى الترمذي والنسائي وأحمد رضي الله عنه قال:
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أَخْرَجُوا نبيَّهم إنا لله وإنا إليه راجعون لَيَهْلِكُنَّ. قال ابن عباس: فأنزل الله عز وجل: ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير ).
قال أبو بكر رضي الله عنه: فعرفْتُ أنه سيكون قتال(2) .
هذا التوقيت في نزول الإذن بالقتال حكمته الكبرى أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة، وكانت بادرة ذلك بيعة العقبة الثانية فإنها كانت عقدا ًسياسياً على نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقتال تحت قيادته، وتسليم مقاليد السلطة له.
بهذه البيعة بدأت مرحلة الدولة النبوية، فكان نزول الإذن بالقتال وهو في طريقه لمقر الدولة لِتَسَلُّم السلطة.
فإذا أضفنا لهذه الحقيقةِ الحقيقةَ السابقة عليها وهي مَنْعُ النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الدعوة بمكة منعاً صارماً حاسماً من القتال مع شدة العدوان الواقع عليه وعلى أصحابه؛ فإننا نقرر بلا أي تردد أن القتال ليس من أعمال الدعوة لكنه من أعمال الدولة.
معنى هذا الكلام أنه عندما يكون أهل الدعوة في مرحلة البيان والبلاغ والتكوين؛ لا سلطة بأيديهم، ولا قوة تسندهم، ولا دولة تتولى نصرتهم وحمايتهم حتى يُبَلِّغُوا أَمْرَ ربهم، فلا يجوز أن يمارسوا القتال ولو دفاعاً عن أنفسهم ضد القهر والاضطهاد والإيذاء بل الواجب عليهم الصبر والمصابرة والدفع بالتي هي أحسن، وتحاشي الصدام المسلح . .
ولكن ليس معنى هذا أن يُسْقِطوا الجهادَ من شريعة الإسلام كما يفعله اليوم بعض ( دراويش الأعاجم )، بل يجب على أهل الدعوة بيان شريعة الجهاد، وبيان سياسة الإسلام، والبحث عن النصرة والمنعة، أي عن سلطة تنصرهم وتتبنى دعوتهم، وتتولى الإعداد للجهاد ، هذا لا يتعارض مع الصبر والكف عن القتال..
لكن لا يُتَصور في عرف الشرع قتالٌ بلا دولةٍ إسلامية، ونعني به جهادَ ( البَدْء ) أما جهاد (الدفع ) فشأنه مبني على دفع المفسدة، فلو دُفِعَتْ بغير القتال لا يَجُوز القتال، ولو كان تَرْكُ جهادِ الدفع أعظمَ مفسدةً وجب الجهاد والقتال.
كما هو حال المسلمين اليوم، هم في ضعف شديد، وتفكك بالغ ولا قيادة مؤهلة حسب شروط الشرع ، والقيادات أيضاً متنازعة، فكيف يقوم جهاد من أي نوع والحال هذه ؟
المسلمون اليوم في حالة الدفاع عن النفس، ولا يجوز أن يلجأوا إلى القتال إلا إذا ثبت أن المصلحة فيه راجحة على المفسدة، وهذا يحتاج إلى فقهاء وعلماء ربانيين يقررون ذلك..
أما جهاد البدء فلا يجوز إلا بوجود دولة إسلامية شرعية تتبنى الجهاد وتعد له الإعداد الكاف…
ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم هو النبراس في ذلك:
مع كفِّه عن القتال فإنه كان يبحث عن النصرة والمنعة؛ يعرض نفسه ودعوته على القبائل في الموسم؛ باحثاً عَمَّن يصدقه وينصره ويمنعه حتى يبلغ رسالة ربه (3).
فالدعوة تمر بمراحل منطقية(4) تتوافق مع طبائع الأشياء وسنن الله في الكون؛ تبدأ أول ما تبدأ سِرِّية، ثم تكون علنية، وتمر بمرحلة ( التكوين )، والعادة في سائر الدعوات أن هذه المرحلة لا يكون فيها قتال، وإلا فإنها تُسْتَأْصَلُ في مهدها؛ لأنها عادةً ما تكون ضعيفةً بلا قوةٍ تحميها وتمنعها، ثم تأتي مرحلة ( التمكين ) التي هي مرحلة ( الدولة ) .. وهنا تكون بيد الدعوة سلطة وقوة تستعملها للدفاع عن نفسها. .
هذه مراحل منطقية وليست مراحل زمنية؛ أي ليس معناها أن الدعوة تحت أي ظرف من الظروف لا بد أن تمر بهذه المراحل بالترتيب والموالاة؛ بل قد تختصر المراحل أحياناً، لأن العبرة بالحالة التي تمر بها الدعوة وأوصاف هذه الحالة، وحالةِ المدعوين وأوصافِهِم.
دعوة النبي صلى الله عليه وسلم استغرقت مرحلةُ التكوين فيها ثلاثَ عشرةَ سنة منها ثلاث سنوات من السرية..
لكن قد لا تستغرق دعوةٌ أخرى نفسَ المدة، بل أقلَّ منها، ودعوةٌ أخرى تستغرق أكثرَ، فإذا وَجَدتِ الدعوة في بعض الأمكنة النصرةَ والمنعةَ بعد سنتين أو ثلاث أو أقل، فهل لا بد من استغراق ثلاث عشرة سنة كما حصل لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ؟
كلا، فإن الزمن غير مقصود هنا، وإنما المقصود حصول المنعة، فإذا حصلت منذ وقت مبكر فإن هذا يساعد أكثر على التكوين والإعداد لكن التكوين والإعداد لا بد أن يكتملا قبل الجهاد، فلا تبادر الدولة التي تبنَّتِ الدعوةَ إلى القتالِ قبلَ ذلك وإلا فسوف تفشل، لأن هذين الأمرين من الثوابت الشرعية: ( أعدوا ) قبل ( جاهدوا )، بل إن هذه المسألة من البديهيات. .
قد تستغرق الدعوة في مرحلة التكوين تسعمائة وخمسين عاماً كدعوة نوح عليه السلام، ولم تصل إلى مرحلة التمكين حتى أهلك الله أعداءها بمعجزةٍ هي ( الطوفان ).
لكن ( المعجزات ) هي من خصائص الأنبياء أولاً، ولا تأتي حتى للأنبياء إلا بعد أن يستوفوا (السنن ) الكونية ثانياً، وتسعمائة وخمسون سنة مدة ليست بالقصيرة حتى نقول إنه لم تُستوفَ فيها شروطُ ( التمكين ). .
وربما لا يأتي ( التمكين ) في الجيل الذي بدأت فيه دعوة النبي، فيلقى النبي ربه قبل ذلك. .
قال صلى الله عليه وسلم: ” عُرِضت عليَّ الأمم فرأيتُ النبيَّ ومعه الرُّهَيْط، والنبيَّ ومعه الرجل والرجلان، والنبيَّ وليس معه أحد .. الحديث )(5).
فهل يقال في هذا النبي الذي لم يتبعه أحد إنه فشل في دعوته ؟! كلا فإن مهمة النبي الأساسية البلاغ والبيان، والبحث عن النصرة، فإن لم يجد ذلك فقد تحققت مهمته بمجرد التبليغ والبيان ( ما على الرسول إلا البلاغ ) [99/المائدة ] ( وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ) [ 20/آل عمران ] نريد أن نقول: إن الذين بحثوا عن التمكين قبل التكوين أخطئوا، وإن الذين سعوا إلى الدولة الإسلامية على حساب الدعوة أخطئوا خطئاً ” استراتيجياً “، والذين سعوا إلى القتال قبل ذلك كله نقول إضافةً إلى ما ذكرنا: إنهم خالفوا طبائع الأشياء .
ومثل هؤلاء وأولئك الذين ظنوا أنه يجب أن يتحقق لهم التمكين، فإن لم يتحقق أساءوا بالله الظنون، وأصابهم الفتور والإحباط، هؤلاء وقعوا في أمرين: أولهما: تزكية النفس، فإنهم يحسبون أنهم على قصورهم والخلل الذي فيهم يستحقون التمكين، والله تعالى يقول: (فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) [ 32/النجم ]، وثانيهما: أنهم لم يفقهوا هذه المسألة، فإنه لا يلزم أن يتحقق التمكين في نفس الجيل، قد يؤخر الله التمكين لحكمة يريدها إلى جيل قادم، كما حصل ذلك لكل نبي لم يتبعه أحد وجاء يوم القيامة وحده، مع أنه لم يقصر في أداء رسالته . .
المهمة الأساسية ” الاستراتيجية ” هي الدعوة، هي البيان والبلاغ وتعليم الناس دين الله، وتعليمهم شرائع الدين وآدابه حتى يعرفوا كيف يعبدون الله ، وكيف يحيون على منهج الله .
والقتال وسيلة لحماية هذه الدعوة كما دلت عليه الآية الثانية من الآيات الثلاث التي صدَّرنا بها هذا الفصل، فهل نقلب الوسيلة إلى غاية، وننشغل بها ولو أدّت إلى القضاء على الدعوة ؟!