خواطر مع الواقع
2- مكرر لكنه جديد : تهنئة الكريسمس ؟!
من القضايا الموسمية المتكررة في زماننا (فقط) الحرب التي تستعر في الأسافير عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسمس
وهو عيد وثني ألصق بالملة النصرانية على أنه احتفال بميلاد المسيح عليه السلام باعتبار أن ضحية الرب الذي هو ابنه لخلاص البشرية من خطيئة أبيهم قد ولد ..
ونظرا لكون وسائل الإعلام في يد عملاء الكفار أصلا فقد لبس على الناس بفتاوى حديثة لاوجود لها في كتب أهل العلم خلال خمسة عشر قرنا تجيز تهنئة الكفار بهذا العيد .
وجل هذه الفتاوى من جهلة اتخذوا الدين مهنة يتأكلون بها وبعضهم من سقط متاع الأزهر ولايكاد يعرف أحد نظيف من وسخ حكومات الطواغيت يشاركهم هذه الفتوى الجديدة سوى بعض المشايخ المعاصرين المميعين لقضية الولاء والبراء والذين يحاولون تكييف الإسلام ليرضى عنه الغرب الكافر ولاحول ولاقوة إلا بالله .
وقد شارك كثيرون بفضل الله في بيان حكم التهنئة مستغلين المساحة المفتوحة لهم عن طريق وسائل التواصل فهي المتنفس الوحيد لنا بعد احتكار جميع وسائل الإعلام كما قدمنا .
وقد قتلت شبهات المجيزين بحثا وردا من إخوة كرام ونحن هنا سنعرض شيئا جديدا وهو طرح شبهات أحد المجيزين المعروف بتمييعه وتلطخه بوسخ حكومته مما لم يتعرض له كل من وقفت على ردودهم والرد عليها
ونبدأ بسوق الفتوى المعتبرة في ذلك والتي يعول عليها كل من منع من التهنئة وهي فتوى الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى حيث قال :
وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه.ا.هـ
وهنا ينقل إمام جهبذ مثل ابن القيم الاتفاق على التحريم ويعظم ذلك أشد التعظيم ويعرض بفاعل ذلك أنه قد يكفر ! ومن هو ابن القيم ؟ المتخصص في أحكام أهل الذمة ومؤلف أهم مرجع في ذلك !
فيأتي لنا الشيخ الهمام ويطرح اعتراضاته ويعتبرها تأصيلية ومتماهية مع الفقه الرصين
أين دليل ابن القيم في حكايته الاتفاق ومن سبقه بذلك ؟
كلام جميل ذكرني بمقال قديم جدا رددت عليه في إحدى الصحف لكاتب يقول بحثت في كتب الأئمة الأربعة فما وجدت نصا يلزم المرأة بالحجاب !
ونقول للشيخ قد نسلم لك في نقض دعوى الاتفاق فكم من عالم حكى الإجماع ولكن نقضه غيره بنقل يثبت خطأه فهل تستطيع أن تأتي بنقل واحد يجيز مانقل ابن القيم الاتفاق على تحريمه ؟
ثم هل لأنك لم تقف على من سبق ابن القيم تعتقد أنه لايوجد من سبقه ؟ هل هذا من التأصيل ؟
ابن القيم مثبت وأنت ناف ، وابن القيم مطلع وأنت غير مطلع ، فالتأصيل قبول نقل هذا الإمام الجهبذ فهو ليس مفتيا هنا فيمكن أن تناقشه وترد عليه ومع ذلك فنحن بالطبع وأي مسلم عاقل سيفضل فهم وفتوى ابن القيم على فتواك إن لم يكن لك سلف معتبر تقابل منزلته منزلة ابن القيم
أقول : هذا نقل وليس فتوى فأنت بين نارين كلتيهما محرقة إما تكذب ابن القيم وإما تجهله وتطعن في علمه وفهمه .. ولن نقبل منك لا هذا ولا ذاك
إذن : ما نفهمه نحن أن الإمام ابن القيم اطلع على مالم تطلع أنت عليه من كلام للعلماء يستوجب نقل هذا الاتفاق ولا يوجد نص عن أحد من أهل العلم ينقض ذلك ولو سلم بوجود شيء من ذلك فهو ينقض الاتفاق ولا ينقض أن القول بالتحريم هو قول الأكثرية وهو المعتمد حتى إنه جوز لمثل هذا الإمام حكاية الاتفاق .
لو لم يوجد نصوص لأهل العلم صريحة هي مرجعية نقل ابن القيم فلاشك أن فهم ابن القيم لنصوصهم المتعلقة بشهود الأعياد ونصوص البراءة من الكافرين واستقراء الواقع العملي خلال القرون السابقة له واطلاعه على علماء عصره ومعرفته بفتاواهم مشافهة ومواجهة من شتى المذاهب وفهمه لما لم تفهمه أنت على وجهه من النقول التي بين أيدينا ونقلت أنت بعضها .. كل ذلك هو مرجعية فتواه ومن ذلك قولك :
وقد جاء في فتاوى شيخ الإسلام البلقيني (ت805هـ) ما يلي : «مسلمٌ قال لذمي في عيد من أعيادهم : عيد مبارك ، هل يكفر ؟
الجواب : إن قاله المسلم للذمي على قصد تعظيم دينهم وعيدهم بحقيقته فإنه يكفُر. وإن لم يقصد ذلك ، وإنما جرى ذلك على لسانه ، فلا يكفُر بما قاله من غير قصد» . فتاوى البلقيني (986) .
هكذا نقلت وحاولت الهروب من كون هذه الفتوى مطابقة تماما لفتوى ابن القيم وهي عينها ونفسها وذاتها
فهو قد اعتبر مجرد قوله له : عيد مبارك . كفر أكبر ثم بدأ في النظر في الشروط والموانع فجعل عدم القصد مانعا من تكفيره !
فهل يقال مثل ذلك في شيء مباح يا دكتور ؟؟؟
حيصة أخرى حاصها الدكتور ليهرب من نقل ابن القيم حيث حاول الالتفاف على اللفظ فقال :
هو يتكلم عن تهنئة الكافر بعيده الديني ، لا في عيده الديني . والتهنئة بالعيد تدل على الرضا بالدين ، أما التهنئة في العيد فلا يلزم منها ذلك .ا.هـ
ماشاء الله على الفقه الرصين .. وقد تعاظم الدكتور بفقهه للفارق بين اللفظين الذي رتب عليه حكمه وأزرى على المساكين الذين لايفقهون الفارق !
ونحن نسلم لك بوجود الفارق فلو هنأه بولادة ابن له فوافق ذلك يوم عيده فهذا قد هنأه في يوم العيد وليس بيوم العيد ، وكذا لو شفاه الله من مرضه فوافق ذلك يوم عيده فهنأه بشفائه فهذا قد هنأه في يوم العيد وليس بيوم العيد .
أما من هنأه في يوم العيد دون وجود أمر خارجي يهنأ عليه بمعزل عن العيد فقد هنأه بالعيد شئت أم أبيت يادكتور الدكاتير ، وهذا فهم العلماء الذين مر عليهم كلام ابن القيم واحتجوا به ولم يسبقك منهم أحد لهذا الفقه الدقيق ! ولن يشفع لك قولك (هنأه بفرحه وسعادته في يوم العيد وليس بيوم العيد) لأن فرحه وسعادته لايعلم بها أحد فكم منا يمر عليه العيد دون فرح وسعادة كما أن فرحه وسعادته سببها ولادة الرب الذي يضحى به لمحو خطيئة البشر فأصبحت كالمستجير من الرمضاء بالنار .. على أنه لايوجد عند أحد من المهنئين بأي عيد فيما أعلم هذه التفرقة وفي عمرنا ما هنأنا مسلما في العيد على فرحه بالعيد وإنما التهنئة تكون دائما بالعيد .. وأشم من هذه الالتفافات رائحة تشبه سلوك قوم ممن كانوا قبلنا !!
الشيخ أقام شبهة سخيفة رد عليها كثيرون ونعرج عليها سريعا لأنه ربطها بقضية الاعتقاد ولم يحصرها في المكافاة التي دندن حولها غيره قال :
ما زال اليهود والنصارى وغيرهم يهنئون المسلمين بعبارات تهنئة عديدة في أعيادهم الدينية (الفطر والأضحى) ، ولا فهمنا من تهنئتهم لنا تركهم لدينهم.. الخ .
وأقول : يا أخانا مالنا ولهم ؟ هم دينهم لاقيمة له عندهم وليس عندهم من البراء من الكافرين ماعندنا .. وأما فهمنا نحن فصحيح فليس مجرد التهنئة تعني ترك الدين ولذا فرق العلماء بين الحالين فمن اقتصر على لفظ التهنئة دون الرضا والموافقة فلايكفر ولم يترك دينه لكنه وقع في محرم ولم يفعل مباحا كما تعتقد أنت وهذا هو محل نزاعنا فلماذا تخلطه بمن يترك دينه ويكفر يا أستاذ الأساتيذ ؟؟
ولانريد أن نطيل كثيرا فإن كثرة الكلام ينسي بعضها بعضا وقد أجمل الشيخ ما أراده في نقاط منها :
ليس هناك نص في الكتاب والسنة يمنع أو يجيز هذا الأمر .
ونقول : بل نصوص الكتاب والسنة كلها تدل على المنع .. ولاتتعبنا مثل العوام يادكتور فتطالبنا بنص يقول : إن تهنئة الكفار بعيدهم حرام عليكم والله عزيز حكيم .
فأنت تعرف أوجه الدلالات ولايخفى عليك طرق الاستنباط
جميع آيات البراءة من الكافرين ومفاصلتهم وبغضهم وعدم موالاتهم تدل على المنع
وجميع مواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار طيلة عشر سنوات وأحاديثه في عدم البدء بالسلام عليهم واضطرارهم إلى أضيق الطريق والأمر بمخالفتهم في أقل الأمور وغير ذلك ثم مواقف خلفائه وصحابته وشروط الذلة المضروبة على المعاهدين فضلا عن المحاربين ثم من بعدهم من التابعين لهم بإحسان تدل على المنع . فلم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم هنأ اليهود أو النصارى بشيء من أعيادهم مع تكرر ذلك كل عام ولا عمن بعده ممن ذكرت فهل يعقل أن ذلك مباح ولايوجد نقل واحد به ؟؟
قال :
لم يرد عن السلف من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين والأئمة المتبوعين (أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) نص حول حكم تهنئة الكفار في أعيادهم ، وورد عنهم كلام حول شهود أعيادهم وحضورها … الخ
ونقول : نحن نعكس عليك الأمر كما تقدم فلم ينقل عن أحد منهم فعل ذلك ألبتة لأن تحريمه أمر بدهي معلوم من عمومات الشريعة ومتفق عليه لاشبهة فيه :
كافر ، ملعون ، من حطب جهنم ، تبغضه في الله ، ولولا دخوله في الذمة لقتلته وأخذت ماله وسبيت امرأته وولده ؛ يحتفل بيوم يعظمه لكفره وشركه وانتقاصه من رب العزة والجلال فهل تهنئه في ذلك ؟؟ والله مايقول هذا غير المبرسمين .
ومع ذلك فنصهم على تحريم شهود أعيادهم متضمن لتحريم تهنئتهم ولكن لمن يفقه مثل فقه ابن القيم ومن سبقه ومن لحقه وليس كمن يفقه فقه الدكتور !!
ونقول للشيخ الفقيه : ماذا تفهم من قول عُمر بْنَ الخَطّاب رضي الله عنه : اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ”. هل تفهم منه هنئوهم بأعيادهم أم لا تهنئوهم بأعيادهم ؟
وقد عظم الله تعالى تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام فقال : رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه . فلعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرا وقال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر : فلا يقعد على مائدة يشرب عليها الخمر. وهذا كله من مقتضيات الاجتناب . ولايشك عاقل أن من اجتناب المشركين في أعيادهم عدم تهنئتهم ولاكرامة .
وأخيرا : طار الشيخ فرحا بأثر أرسله له أحدهم ليدرك غرقه دون أدلة فظن الورم شحما فقال : قال الكوسج في مسائله للإمام أحمد وإسحاق : «قلت: قال: سألت سفيان عن الرجل المسلم يدفع إليه المجوسي الشاة يذبحها لآلهته ، فيذبحها، ويسمّي، أيأكل منه المسلم؟ قال: لا أرى به بأسا. قال أحمد: صدق . قال إسحاق: لا يسع المسلم ذبحها على هذه الحال وأكره أكلها»
فكعادة من يعتقد ثم يستدل طار فرحا بذلك وظن أن فيه دليلا له على ماخالف فيه علماء الأمة ولذا فسننبهه على الفارق العظيم ..
الذبيحة تحرم على المسلم في حالات ثلاث :
1- إذا ذبحها غير مسلم أو كتابي
2- إذا أهل بها الذابح لها لغير الله
3- إذا لم يذكر الذابح عليها اسم الله
وهذه الثلاثة منتفية هنا فالذابح مسلم والذابح سمى عليها والذابح لم يتقرب بها لغير الله وإنما المتقرب بذلك المجوسي ولاعلاقة للذابح بما في نفسه فالمهم مافي نفس الذابح ولذا أباحها سفيان وأحمد وكرهها إسحق لمجرد كون المنتفع مجوسيا يريد بها التقرب لآلهته .
فهذه مسألة فقهية مبنية على أمور واضحة لاعلاقة لها بموضوعنا ومع أن المسألة كما هي أمامه خلافية وإسحق خالف فيها أحمد إلا أنه يريد أن يجعل هذه القصة دليلا على إباحة التهنئة بالعيد الكفري وليته جعلها خلافية مثلها بل عنده كما قدمنا أن التهنئة بالعيد الكفري لا أثر للمنع منها أصلا بل صرح أنها من العادات .
وفي الختام نضيف لما نقلناه عن البلقيني موافقا لما حكاه ابن القيم هذه النقول الموافقة دون محاولات التفاف :
قال الدميري في النجم الوهاج في شرح المنهاج : “يُعزّر من وافق الكفار في أعيادهم ، ومن يمسك الحية ، ومن يدخل النار ، ومن قال لذمي : يا حاج ، ومَـنْ هَـنّـأه بِـعِـيـدٍ”
وقال البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع : ( ويحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم ) لأنه تعظيم لهم أشبه السلام ( وعنه تجوز العيادة ) أي : عيادة الذمي ( إن رجي إسلامه فيعرضه عليه واختاره الشيخ وغيره )
وأخيرا :
قال تعالى : إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا
وقال تعالى : لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم
وقال تعالى : قاتلهم الله أنى يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
وقال تعالى : هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل
وقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ …
ولم يقل : قل كل عام وأنتم بخير !!
والآيات والأحاديث كثيرة .. فهل من قال فيهم الله ذلك يهنئهم المسلم بعيدهم الكفري ؟؟ لا أظن عاقلا يقول ذلك .
وكتب
محمد بن رزق بن طرهوني
في 24 جمادى الأولى 1443 هـ