لمن يبحث عن الحق في العمليات الاستشهادية
تعرضنا كثيرا منذ فترة طويلة لحكم العمليات الاستشها.دية وتكلمنا عنها في الرد على العبيكان وفي تفسير سورة البقرة وفي رسالة الماجستير وفي دورة فقه الجهاد من صحيح البخاري وفي أسئلة لقاءات البالتوك .. وقد كنت أظن أني تكلمت عن بعض المسائل المتعلقة بها في موضع من تلكم المواضع ولكن لم أستطع الوصول لذلك فقلت لعلي تكلمت عنها في ردي على القاضي الظالم الذي عرضت عليه بعد اعتقالي في معتقلات آل سعود وحكم علي آنذاك بالسجن عشر سنوات واسمه محمد صالح القاضي ..
المهم .. من ضمن الاتهامات التي وجهت لي أني لا أجرم العمليات الاستشها.دية ولا أسميها انتحارية فذكرت له من الحجج الشرعية بعض ما ذكر في المواضع السالف ذكرها وزدته من الشعر أبياتا وها أنا أذكر بعضا مما أتذكره من إلزامات ألزمته بها لتضاف لأدلة المجيزين للعمليات وهي تدور حول تقرير أن قتل النفس ليس مذموما بإطلاق وإنما هو متعلق بنية الفاعل :
أولا : مسألة الافتداء :
من ذلك التضحية بالنفس لافتداء عزيز فيقتل الشخص بدلا منه ..
وكان المسكت له يتعلق بقصة محاولة اغتيال الملك عبد العزيز في الحرم من بعض اليمنيين فتلقى ولده سعود الطعنة بدلا عن أبيه ولكن أراد الله أن تأتي في كتفه فلم يمت بها ولكن لهجت الأمة كلها ببطولته وأنه افتدى والده بنفسه وتلقى عنه الطعنة واشتهر بعدها مقولة عبد العزيز : ” يا جعل من لامني في سعود تلايم عليه ”
ويتكرر ذلك كثيرا مع الرؤساء والقادة فيتلقى حراسهم الطلقات ونحوها بدلا عنهم ويموتون فيعتبرون أبطالا وشهداء ولايعتبرون منتحرين .
وأصل تلك المسألة ثابت في السيرة النبوية ومن ذلك ما ثبت في الصحيح من وقاية طلحة رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فتلقى عنه السهام بيده حتى شلت وقد كان من الممكن أن يقتل بتلك السهام ويكون ضحى بنفسه فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن ذلك مافعله أبو بكر الصديق في استبرائه للغار وقت الهجرة حيث لم يترك جحرا في الغار حتى أدخل فيه أصبعه مخافة أن يكون فيه هامة .. ولو لدغته حية فمات من ذلك لكان فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما اعتبر منتحرا
وهكذا لو أطلق قاتل على رجل رصاصة فلم يجد ولده بدا من تلقي هذه الرصاصة بصدره بدلا عن والده فقتل بدلا عنه لما عد ذلك انتحارا وإنما اعتبر استشهادا وتضحية فداء لوالده ..
ثانيا : مسألة الإيثار:
وهذا يتكرر في الكوارث فمثلا لو أخذت سفينة في الغرق وكان لابد من تخفيف حمولتها بإلقاء بعض الركاب منها ليموتوا غرقا حتى يسلم بقية ركاب السفينة فأقدم بعضهم على ذلك وألقى بنفسه إلى الموت لما قيل إن هذا انتحار وإنما إيثار وتضحية ويمدح فاعله .. وقيد جمهور الفقهاء ذلك بأن يكون بالقرعة فمن وقعت عليه ألقى نفسه .
وقد حصل ما يشبه ذلك واقعا في بعض حوادث الغرق حيث لم تكف سترات النجاة كل الركاب فخلعت بعض الأمهات السترة وألبستها ولدها واستسلمت هي للغرق في الماء لتنقذ ولدها .
وكذا لو ضرب ماس كهربائي وعلم أنه سيتسبب في احتراق المبنى بمن فيه إلا أن يضحى بطل من الأبطال فيمسك بالقوابس ويفصلها لكنه سيموت لامحالة لما عد من فعل ذلك منتحرا بل بطلا عظيما
وأصل ذلك ثابت في كتاب الله وفي السيرة كذلك
فيونس عليه السلام حصل له مايشبه موضوع السفينة وساهم فكان من المدحضين فألقي من السفينة لإنقاذ البقية ونجاه الله سبحانه بمعجزة إلهية .
وروى ابن المبارك عن عَنْ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ قَالَ: «انْطَلَقْتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَطْلُبُ ابْنَ عَمِّي , وَمَعِي شَنَّةٌ مِنْ مَاءٍ وَإِنَاءٍ، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ بِهِ رِمَاقٌ سَقَيْتُهُ مِنَ الْمَاءِ، وَمَسَحْتُ بِهِ وَجْهَهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ يَنْشَغُ، فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ؟ فَأَشَارَ أَنْ نَعَمْ. فَإِذَا رَجُلٌ يَقُولُ: آهٍ فَأَشَارَ ابْنُ عَمِّي أَنِ انْطَلِقْ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخُو عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَسْقِيكَ؟ فَسَمِعَ آخَرَ يَقُولُ: آهٍ فَأَشَارَ هِشَامٌ أَنِ انْطَلِقْ بِهِ إِلَيْهِ، فَجِئْتُهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى هِشَامٍ، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ، ثُمَّ أَتَيْتُ ابْنَ عَمِّي فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ .
ثالثا : مسألة الاختيار بين موتتين :
وهذه من المسائل الخلافية بين العلماء فقد نص الفقهاء رحمهم الله تعالى على أن من تعين موته بأحد سببين واستويا في السوء، فله أن يتخير بينهما، كمن احترقت سفينته فيه، ولا يحسن السباحة أو كانت الأسماك المفترسة تحته، فلو اختار موته غرقاً، أو احتراقا جاز، وإن غلب على ظنه أن أحد السببين أهون من الآخر، فيتبع الأهون وبه قال جمهور الفقهاء، كما في البحر الرائق وبدائع الصنائع وغيرها من كتب الفقه، قال في البحر الرائق: (فإن كان المسلمون في سفينة فاحترقت السفينة فإن كان غلبة ظنهم أنهم لو ألقوا أنفسهم في البحر تخلصوا بالسباحة يجب عليهم أن يطرحوا أنفسهم في البحر ليتخلصوا من الهلاك القطعي وإن استوى الجانبان إن أقاموا احترقوا وإن أوقعوا أنفسهم غرقوا فهم بالخيار عند أبي حنيفة وأبي يوسف لاستواء الجانبين وقال محمد لا يجوز أن يلقوا أنفسهم في الماء لأنه يكون إهلاكا بفعلهم)
رابعا : مسألة النظر في المفسدة والمصلحة :
ومن ذلك مسألة الانتحار خشية التعرض للتعذيب أو استخدام مواد مخدرة تجعل الأسير يبوح بأسرار خطيرة فقد قال الشيخ محمد بن إبراهيم : جاءنا جزائريون ينتسبون إلى الإسلام يقولون: هل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة، ويقول: أموت أنا وأنا شهيد – مع أنهم يعذبونه بأنواع العذاب – فقلنا لهم: إذا كان كما تذكرون فيجوز، ومن دليله آمنا برب الغلام ، وقول بعض أهل العلم: إن السفينة …. إلخ إلا أن فيه التوقف من جهة قتل الإنسان نفسه ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة هذا فالقاعدة محكمة، وهو مقتول ولا بد .
و (الشرنقات) إبر تسكر الأسير إسكاراً مقيداً ليعلم بأماكن الذخائر والمكامن .
هذا ما أردت إضافته لكون أحد الإخوة سألني عن حالة ضمن ما تقدم ذكره هل تعتبر استشهادا أم لا فأحلته على ما سبق نشره ظنا مني أنه تضمن هذا ..فلما لم أعثر عليه قيدته للفائدة والحمد لله رب العالمين