أطفال الآثار
قبل قرابة أربعين سنة تأثرت كثيرا بمصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة وشغفت بآثار الموطأ لعلو أسانيدها وصحة معظمها فقررت أن أقوم بجمع لصحيح الآثار ومازالت بطاقات جمع ما تيسر من ذلك موجودة عندي ولكني للأسف لم أتم هذا العمل لانشغالي بغيره ..
قدمت هذه المقدمة حتى يعلم القاصي والداني شغفي بالآثار واهتمامي بها منذ ريعان شبابي ..
والآثار والمنهج الأثري والإصرار على التقيد بمنهج السلف الصالح في جل أمور الدين من عقائد وعبادات ومعاملات وأخلاق هو ماندندن حوله قديما ومازال هذا دأبنا ونرجو أن نموت عليه إن شاء الله ..
كما كان هذا هو منهجنا في تفسير كتاب الله وهو ما حثثنا عليه إخواننا وطلابنا وأكدنا عليه مرارا وتكرارا في رسالتي الماجستير والدكتوراه ودروس التفسير وعلوم القرآن والدورات وما إلى ذلك .
والآثار مع عظم أهميتها لابد أن يتنبه طالب العلم لأمور عدة في التعامل معها :
الأول : ألا حجة في قول أحد من الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثاني : ضرورة النظر في سند الرواية الواردة عن السلف فما صح منها اعتمد وما لم يصح فلا .
الثالث : أن ما صح من الآثار ولم يكن له مخالف من كتاب أو سنة فيعتبر عند البعض إجماعا سكوتيا فيعتبر حجة عند من يراه كذلك .
الرابع : أن فهم هذه الآثار موكول إلى العلماء وليس مشاعا لكل من هب ودب يفهم منه ويستنبط .
الخامس : درجات الاحتجاج بالآثار أو الاستئناس بها تتفاوت حسب العلم الذي تذكر فيه فهناك شيء من التجاوز عندما تكون هذه الآثار في الأخلاق والزهد والرقائق والفضائل ثم يقل هذا التجاوز عندما تكون في التفسير والسير والمغازي ثم يشدد بعد ذلك عندما تكون في الأحكام الفقهية ثم تبلغ أوج التشدد في العقائد .. فإذا كانت الأمة قد اختلفت في الأخذ بالأحاديث الصحيحة الثابتة في الأمور العقدية وقسموا الأدلة لآحاد ومتواتر وظني وقطعي فكيف بآثار ليست بالوحي ولاحجة فيها من الأصل إلا إذا اعتبرت إجماعا مع شهرة مقولة من ادعى الإجماع فقد كذب ؟!
وهذه الأيام خرج لنا مجموعة أطفال يتلاعبون بدين الله سبحانه مستندين على فهمهم لبعض الآثار الضعيفة والواهية ويجعلونها سيفا مصلتا على مسائل الاعتقاد بل ويقررون لمن يتابعهم أنه لاداعي للنظر في أسانيدها ولايهم ثبوتها فيكفي أن يكون ذكرها فلان أو علان في كتابه .. ولايعدو فلان أو علان هذا الذي رفعوه لمنزلة الأنبياء أن يكون عالما من العلماء لو أهمل هو وكل ما ألفه في عمره لما نقص الدين شيئا ، وقد كان من قبله على دين وهدى وهو لم يولد بعد ، وجاء من بعده ولم يسمع به ولم ير شيئا مما جمعه وألفه فكان على دين وهدى كذلك ..
وجهلوا أن من أسند فقد أحال وبرئت ذمته .. وأن المصنفين ممن لم يشترط الصحة كثيرون وهم يجمعون كل ما في الباب مهما كان ساقطا ولاقيمة له لأنه ما وصل إليه علمهم ..وأن كثيرا من العلماء روى عن رواة هم كذبة دجالون وهم لايعرفون حالهم بل بعضهم لبس عليه وظنهم من الثقات الأثبات ..وأن من العلماء من أخذته الحمية والعصبية فنافح عن الخطأ وحشد له ماحشد وأضرب صفحا عن الصواب ولم يذكر شيئا من أدلته وأهمله وادعى ماادعى من إجماعات واتفاقات دونها خرط القتاد .
وأنا للأسف أذكر ذلك وهو بدهي عند أي طالب علم .. ولولا خطورة هؤلاء على المبتدئين المحبين لمنهج السلف الصالح لما حصل التفات لشيء من ترهاتهم هذه فما نذكره مسلمات لايختلف فيها عاقلان ولاينتطح فيها عنزان .
فيا أحبة .. نصيجة مشفق : إياكم وهؤلاء المتسنمين للعلم المتشبعين بما لم يعطوا .. وإياكم أن تأخذوا شيئا من دينكم عن غير العلماء المشهود لهم بالعلم والخير والفضل ..لاسيما في العقائد ..فدينكم هو رأس مالكم ..فإياكم إياكم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم