خواطر مع الواقع
6- عندما كنت أبا شبر .. مع الشيخ أسامة عبد العظيم رحمه الله
منذ حوالي خمسة وأربعين عاما كنت قد وصلت لمرحلة أبي شبر فقد قرأت كثيرا من كتب العلم كشرح النووي على مسلم وتنوير الحوالك على الموطأ والإحكام في أصول الأحكام وغير ذلك وحفظت القرآن برواية حفص ودخلت في قراءة ورش وكنت أؤم أهل مسجدنا من شباب سلفي وأدرسهم من العقيدة الواسطية ومن تفسير ابن كثير وأحيانا الفتاوى لشيخ الإسلام غير التجويد طبعا ولا أذكر الآن هل كان مع ذلك الباعث الحثيث أم لا ..
وكنت معتدا جدا برأيي ولا أرفع رأسا بقضية العلماء ولا بمن هم أكبر سنا مني من أئمة مساجدنا ، فقد كنت عقديا تيميا ، وفقهيا حزميا ، وحديثيا ألبانيا ، وثارت نقاشات خصوصا مع شباب الجمعية الشرعية الذين كانوا يأتون للصلاة عندنا حول كلام الله وأنه صفة له غير مخلوقة وموضوع الحلف به ونحو ذلك .
وكنت آنذاك قد انقطعت عن كلية الهندسة حسبة لله واعتقادا بحرمة الدراسة فيها لكونها مختلطة مع نساء كاسيات عاريات .. وكان ذلك مدعاة لمحاولة الكثيرين إفهامي أني مخطئ في ذلك ومن هؤلاء قادة جماعة الدعوة والتبليغ أيام الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله وقد عقدوا لي مجلسا خاصا في ذلك ..
ووصل أمري للشيخ الفقيد الذي خسرته الأمة الإسلامية بالأمس الدكتور أسامة عبد العظيم وقد كان مرجعا لكثير من الشباب لاسيما شباب الجمعية الشرعية وقد حدثوه عني وأخذوا منه موعدا ليأتوا بي إليه .. فلما حدثوني قبلت الذهاب معهم للشيخ وكان هذا اللقاء الأول والأخير معه رحمه الله ..
ذهبت للشيخ نافشا ريشي .. ذهبت لمناقشته وليس للاستفادة منه للخلل المنهجي في طلبي للعلم آنذاك ..
ذهبنا لمنطقة شعبية تسمى البساتين ودخلنا بيت الشيخ المتواضع ومررنا على رفوف كتب هنا وهناك .. وقد كان الشيخ آنذاك طالبا في الماجستير ..
جلسنا ننتظر في مجلسه الضيق الرث وانتظرت في ملل مجيء الشيخ وكان ذلك بعد العصر .. ولما حضر رحمه الله لم يكن قد بقي كثير على صلاة المغرب وبدأ النقاش ولايحضرني أي شيء من تفاصيله سوى أنني كنت ندا عنيدا معتدا بكلامي معه والشيخ لم يعتد على مثل ذلك فقد كان طلبته يستفتونه وينصاعون في يسر له .. والشيخ من النوع الهادئ الذي يظهر منه كره الجدال ..كما أنه شافعي المذهب تابع للمدرسة التقليدية في التعاطي مع مسائل الفقه .. ومتأثر بالجمعية الشرعية تبعا لوالده .. وأنا كما قلت تيميا حزميا ألبانيا ..
أذن المغرب فانصرفنا للصلاة وأنا زاهد في مواصلة الحديث معه .. فإذا به هو أزهد مني وقد قال للإخوة _ وهذا ما أذكره من كل اللقاء _ : هذا لأخ جاء ليناظرني وليس ليسأل ويستفيد .. وانصرفنا
ففوجئت بالشيخ ينصحهم ألا أصلي بهم ولا أخطب فيهم حتى لا أشوش على الشباب فتلك المسائل التي أثيرها مسائل صعبة ودقيقة ..
تذكرت تلك الأحداث مع تلقي خبر وفاة الشيخ العابد الزاهد الفقيه المربي .. وقد أظهر الله عبادته وزهده وأعماله المباركة على يد كثيرين .. وهذه مشاركة مني يسيرة في رثاء الشيخ وذكر شيء من أخباره التي انفردت بها لتعلقها بي ..
رحم الله الشيخ وغفر له وأسكنه فسيح جناته وختم لنا بخاتمة الخير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
https://al-maktaba.org/book/31616/78472