حق الأصهار !
( وإليك ياصهري العزيز يامن أهديته جوهرتي الثمينة ، ولؤلؤتي الغالية ، العربية الأصيلة ، البكر الحصان الصغيرة ، الرزان الحسيبة النسيبة ، ذات الجمال والدين ، أقول :
أكرمها يعذب على لساني ذكرك ، ولاتهنها فيصغر عندي قدرك ، وقد قربتك مع بعدك فلاتبعد قلبي من قلبك )
بهذه الجمل القصيرة خاطبت صهري في بداية كتابي هديتي لابنتي عند زفافها ومنها ننطلق لنسج هذه المقالة اللطيفة ..
نتأمل هذا الحديث ” ما أحد أعظم مني يدا من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته ”
يا الله .. جعل النبي ﷺ مواساة أبي بكر له بنفسه وماله مع تزويجه ابنته في سياق واحد واعتبر ذلك من أعظم المنن !!
كثير من الأرحام _ بتعبير أهل الحجاز _ أي الأصهار ينسون حق والدي الزوجة عليهما لعدم وجود النصوص المباشرة الصريحة في ذلك ، وماسبب هذا الأمر إلا أن هذه أعرافا قد اتفق عليها وقد جاء الإسلام بالأمر بمراعاة الأعراف واعتمادها طالما لاتخالف أمرا شرعيا قال تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف .
فلازال الناس يعتبرون أبا الزوجة في منزلة الأب وأم الزوجة في منزلة الأم وذات الأمر بالنسبة للزوجة مع والدي زوجها ولكن بطبيعة الحال جانب والدي الزوج من القوة بحيث لايحتاج معه للوصية والتنبيه ودائما تكثر الأسئلة عن خدمة المرأة لأهل زوجها وحق أمه عليها ونحو ذلك ، وأما أهل الزوجة فلا !
يشعر الخاطب بعظم منزلة والد مخطوبته ووالدتها طيلة عدم تمكنه من الوصول لبغيته ..فيتودد لهما ولسائر أهلها بكل مايمكن ويظهر لهم جانب الكرم والمحبة وتمام الاحترام ، ثم لايلبث كثير من الخطاب أن ينسوا هذا تماما وينقلب الأمر إلى إهمال بل وربما مايشبه القطيعة بعدما حاز ابنتهم في بيته ! أهذا خلق المسلم الكريم ؟؟
أذكر قبل أكثر من عشرين عاما تقدم لابنتي خاطب فكان إذا لقيني يقبل رأسي ويخاطبني بسماحة الشيخ ، أو سماحتك ! ثم بعدما زوجته تغير الأمر وهو عموما من خيرة الشباب حفظه الله وإن لم يكتب الله لتلك الزيجة أن تستمر وقد أغنى الله كلا من سعته ..
أكتب تلك المقالة وقد حباني الله بأرحام من خيرة الرجال دينا وخلقا ولا أزكيهم على الله ولكنها تذكرة لغيرهم في الأساس ولهم أيضا تبعا فإن الذكرى تنفع المؤمنين وأيضا لنفسي ثم لأبنائي المتزوجين ليقوموا بواجبهم تجاه أصهارهم .
والكل يعلم أن للزوجة حقوقا على الزوج مقابل حقه عليها ومن أعظم تلك الحقوق أن يكرم أهلها ويحسن إليهم
وعمدة هذا الفصل قول الله عز وجل : (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وقوله سبحانه : (وعاشروهن بالمعروف) وقوله ﷺ : ولأهلك عليك حقا ، فأعط كل ذي حق حقه. وقوله ﷺ : اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة .
وقد قلت في كتابي لابنتي :
ولاشك أن المرأة تقوم بأعمال عديدة تستلزم من الرجل المقابل وقد حاول البعض إحصاء ماتستحقه من زوجها مقابل خدماتها لو كانت بمقابل فبلغت مبلغا ضخما وذلك لأنها تقوم برعاية الأطفال والطبخ وتنظيف البيت والغسيل والكي والتمريض والخياطة والترفيه وأحيانا تقوم بدور السكرتيرة لزوجها وهذا مع أمانتها إن كانت مؤمنة حقا .
وبناء عليه يجب على الزوج أن يقابل إحسانها بالإحسان ولاشك أيضا أنه إن قام بواجبه الشرعي نحوها كان هو الأمن والأكثر إنعاما وإفضالا ولكنه إن هضمها حقها وأساء عشرتها كان ممن قابل الإحسان بالإساءة والجميل بالنكران .
لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه .
ومن دلائل صدق إيمان الرجل أن يحب لامـرأته من الخير مايحب لنفسه لأنها أخته في الإسلام ، وكما يحب أن تعامل به ابنته وأخته فليحب أن يعامل به ابنة أخيه في الإسلام وأخته ، وإلا فإيمانه ناقص وعليه أن يراجع نفسه قبل ألا مراجعة .
وكما يحب الرجل من امرأته أن تعامل أهله فليعامل هو به أهلها وليعتبر والديها في منزلة والديه ويحسن إليهما ويجلهما وليعلم أنهما قد أهديا له أعز مايملكانه بعد أن تعبا في تربيتها ونصبا في تأديبها ليتنعم هو بنتاج ذلك وقد ثبت في الحديث قوله ﷺ : أحق مايكرم عليه الرجل ابنته وأخته , قال الشوكاني : فيه دليل على مشروعية صلة أقارب الزوجة وإكرامهم والإحسان إليهم .ا.هـ
حديث يحتاج وقفة طويلة : أحق مايكرم عليه الرجل ابنته وأخته !
وقد قال النبي ﷺ : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي .
ولنتأمل حديث أم زرع عندما تكلمت عن كرم زوجها الثاني بعد أبي زرع فقالت : وقال : كلي أم زرع ، وميرى أهلك، قالت فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبى زرع، قالت عائشة : قال رسول الله ﷺ : « كنت لك كأبي زرع لأم زرع ».
وميري أهلك .. سبحان الله ليس الاحترام والتقدير فقط بل الميرة وهي الطعام الذي يجلب ويدخر ! وكان أبو زرع يفعل أعظم من ذلك بكثير ولذا قال النبي ﷺ : كنت لك كأبي زرع فأين المتأسون به ﷺ ؟
وبعض الآباء أكرموا أصهارهم فزوجوهم بناتهم دون أن يأخذوا لأنفسهم شيئا مطلقا مثلي ، بل ربما لم تصلهم حتى هدايا تخصهم مع وجود العكس في آباء أخر يبالغون جدا حتى يكلفوا الخاطب هدايا لإخوة المرأة وخالاتها وبالطبع أمها ، ومن أكرمه الله بمن لم يفعل ذلك أن يتأمل كيف خدم موسى عليه السلام وهو نبي كريم والد زوجته عشر سنين يرعى له غنمه ويجلب الماء له ، ويقوم على حاجة والد زوجته مع أختها هذه المدة الطويلة .
ولننظر لمنزلة الأصهار وكرامتهم لأجل ابنتهم وكما يقول المثل المصري : لأجل الورد يسقى العليق . والمثل الحجازي : لأجل عين تكرم مدينة !
ننظر لما حدث عندما تزوج النبي ﷺ من جويرية بنت الحارث فتسامع الناس بذلك فأرسلوا مافي أيديهم من السبي من قبيلتها وأعتقوهم إكراما له وقالوا : أصهار رسول الله ﷺ فقالت عائشة : فما رأينا امرأةً كانت أعظمَ بركةً على قومها منها، أُعتق في سببها مائة أهل بيت من بني المصطلق .
بل إن بلدا في عظم مصر _ لأجل امرأة منهم تسرى بها إبراهيم عليه السلام فولدت له _ أوصى بها النبي ﷺ جميعها بعد مئات السنين فقال : إنَّكم ستفتحون مصرَ، وهي أرض يسمَّى فيها القيراط، فإذا فَتحتموها فأحسِنوا إلى أهلها؛ فإنَّ لهم ذمَّة وصهرا .
وإن إكرام أهل الزوجة وحفظ منزلتهم وحقهم العظيم هو من حسن العهد وإن حسن العهد من الإيمان وقد جاءت عجوزٌ إلى النبيِّ ﷺ وهو عند عائشة فقال لها رسولُ اللهِ ﷺ : من أنتِ ؟ قالت : أنا جثَّامةُ المُزنيَّةُ فقال : بل أنتِ حسَّانةُ المُزنيَّةُ كيف أنتُم ؟ كيف حالكم ؟ كيف كنتُم بعدنا ؟ قالت بخيرٍ بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ فلما خرجت قلتُ : يا رسولَ اللهِ تُقبِلْ على هذه العجوزِ هذا الإقبالَ فقال : إنها كانت تأتينا زمنَ خديجةَ وإنَّ حسنَ العهدِ من الإيمانِ .
فهذا في صديقة زوجته فكيف بأهلها ؟؟ وقد كان ﷺ يذبح الشاة، ويقول: أرسِلوا منها إلى صديقات خديجة .
فيامن أكرمه الله بالزوجة التي قدمتك على والديها وسائر أهلها فصارت عندك عانية حبيسة عليك وعلى أولادك قابل هذا الإكرام بجميل الأخلاق وحسن الطباع بتعويض أهلها فقدانها وإيثارهم إياك على أنفسهم ليتم ما أمر به الله من إعمار هذه الأرض واستمرارية الحياة فيها .
وقد أجمل بعض الفضلاء حق الأصهار في تلك النقاط :
1. معرفة حقِّهم والإحسان إليهم، وإكرامهم، وتبجيلهم، وعدم الإساءة إليهم.
2. الثناء عليهم بالخير، وترك ذمِّهم والسخرية منهم.
3. أظهِر البشاشةَ لهم عند زيارتهم لك في منزلك.
4. قدِّم المدحَ والثناء لزوجتك أمام أهلها، فلن تنسى زوجتك لك هذا المدح، ما بقيَت على قيد الحياة.
5. لا تَذكر لها عيوب أهلها.
6. قدِّم لهم الهدايا في المناسبات، ومن دون تكلُّف.
7. مشاركة أهل الزَّوجة في أفراحهم وأتراحهم.
8. تقديم النُّصح والتوجيه لهم.
9. اقبل توجيهاتهم ونصحهم لك .
وأزيد على هذه التسع واحدة لتكون عشرة كاملة : أوف لهم بما وعدتهم به عند تزويجك وإن لم يشرط عليك فالوفاء بالوعد سمة المؤمن وديدنه .
وأخيرا : قد أفسدت وسائل التواصل العلاقات بين الأسرة الواحدة حيث أصبح كل فرد منشغلا بجواله وقروبات الواتس وصفحات الفيس ومقاطع اليوتيوب ولذا فأقل ما ينصح به الجميع ألا تنسوا صلة الأقارب والأرحام من نصيبهم ولو غبا من هذه الوسائل برسالة تهنئة أو مباركة أو سؤال عن الحال أو تحية صباحية أو مسائية أو نحو ذلك فهو أقل ما تبرأ به الذمة .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم