لماذا لايرد العلماء على السفهاء ؟؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد
فقد تكرر الطلب من الإخوة الأفاضل الاهتمام بالرد على ترهات أمثال المدعو محمد السليمان (الذي سمى نفسه ابن شمس الدين ) ومن قبل على المسمى أبو جعفر الخليفي وكذا الدمشقية وعادل آل حمدان وصبيانهم من الحدادية الجدد ، ونحن بدورنا نرد على هذا الطلب بما تيسر من رد مختصر مقتضب ، ولكن عندما كثر هذا الطلب حتى حزن بعض الأحبة من عدم إعطاء هذا الجانب مايراه هو من أهمية من وجهة نظره قررنا التفصيل نوعا ما في ذلك فنقول :
لايخفى على كثير منا قول الشاعر :
ولو أن كل قلب عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار
والوقت والجهد أثمن مالدى العالم فليس من الحكمة أن يضيعه فيما لايراه نافعا ناجعا ولو خالفه غيره لقصور في تصوره .
والذي يتكلم في دين الله ثلاثة أنواع من الناس : عالم مسدد فهذا يرد عليه خطؤه ويهتم أهل العلم بذلك ويبذلون له الوقت والجهد ، وعالم منحرف ذو أصول مضطربة فهذا يرد عليه بعض أهل العلم مقتصرين على أصوله الفاسدة ولاينشغل به جل أهل العلم ، وأما الثالث فهو أنواع متفاوته فمنهم طلبة العلم ومنهم الجهلة المتعالمون المتسورون للعلم تسورا ومنهم الزنادقة الفجرة وهذا القسم الثالث لاينشغل العلماء بالرد على أخطائهم ولايلونهم اهتماما وإنما يحذر منهم ويسقطون بل ويؤدبون كما أشرنا في مقالنا المعنون : خذوا على يد السفيه الفتان (الصبيغي) !
فطالب العلم أمر طبعي أن يخطئ بل ويكثر منه الخطأ لأنه ليس له أن يتكلم في العلم مستقلا بل ينقل كلام العلماء ويساعد العوام في فهمه وأما غيره فليس لهم الأهلية للخوض في العلم من أساسه ومن تبع هؤلاء الثلاثة وجعلهم دليلا له على الطريق إلى الله فهو يستحق الضلال والزيغ لأنه لم يأت البيوت من أبوابها وتبع هواه فقط لأنه ماترك العلماء لهؤلاء إلا لهوى في نفسه وإعجاب بأقوال من ليس من أهل الاختصاص وافقت مايحب دون مايحبه الله ورسوله ﷺ وكما قيل :
ومن يكن الغراب له دليلا …. يمر به على جيف الكلاب
إذا كان الغراب دليل قوم فلا فلحوا و لا فلح الغراب
وقال الشاعر :
أَتاني هَواها قَبلَ أَن أَعرِفِ الهَوى فَصادَفَ قَلباً خالِياً فَتَمَكَّنا
ولكن لازال السؤال مطروحا لماذا لايرد العلماء عليهم ؟؟
نعود ونقول : لأربعة أمور :
الأول : قيمة الوقت والجهد الثمينة كما قدمنا وهذه تحتاج لترشيد فلاتبذل إلا لما يستحق وهؤلاء لايستحقون أصلا .
الثاني : وهو سبب أساس وهو فحش أخطائهم فمن فحش خطؤه يصعب الرد عليه وكما يقال : اتسع الخرق على الراقع . وأذكر أن فضيلة الشيخ سيد عدلي إمام السلفيين في ساوث كالورينا بأمريكا وكان مترجمي الدائم في لقاءات البالتوك قبل عشرين سنة تقريبا طلب مني عام 1436هـ الرد على شخص يدعى طارق يوسف وهو من النوع الثاني من القسم الثالث وألح في الطلب بل وعرض بذل مبالغ مالية وفق ما أطلب مقابل الرد لشدة فتنة الرجل المذكور في أمريكا فطبعا تم رفض المقابل واهتممت بالأمر لعدم وجود أي رد عليه مطلقا مع شدة فتنته فإذا بي أجد له مئات الفيديوهات والصفحات على الشبكة وكلما سمعت له أو قرأت شيئا أجده من أوله لآخره أخطاء وترهات لو تتبعتها ورددت على كل بلاياه لاستغرق ذلك آلاف الساعات وخرج الأمر في عشرات المجلدات ولايعرف حقيقة ذلك سوى العلماء فاكتفيت بإصدار بيان لمسلمي أمريكا للتحذير منه وبيان أصوله الفاسدة ومنهجه الباطل وإسقاطه تماما ببيان عدم أهليته للكلام في دين الله مع ذكر أمثلة يسيرة لبعض أخطائه والبيان منشور في الموقع الرسمي .
الثالث : وهو أن الرد على هؤلاء وعمل اعتبار لهم يرفع من قدرهم ويروج لهم أكثر مع ملاحظة أن أصولهم الفاسدة وبدعهم وضلالهم لاتمكن العالم من الوصول معهم للحق لأنهم مشغبون ملبسون لامرجعية لهم وكما يروى عن الشافعي قوله : ما جادلتُ عالماً إلا وغلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني .
وهي تنسب لعلي رضي الله عنه وفيها أنه قال : لأن العلماء لو أتيت لهم بالحجة والبرهان اقتنعوا وأما الجاهل كلما أتيت له بحجة غالطني لجهله .
وهذا علته الجهل فقط فكيف لو اجتمع مع الجهل قلة الأدب وسوء الخلق وعدم تقدير العلماء الأكابر السابقين والطعن فيهم وهم عمدة نقل وفهم النصوص ؟ وكيف إذا اجتمع معه الكذب والتجني وتفسير الكلام على وجه باطل واقتطاع الكلم من سياقه ؟؟ وكيف إذا اجتمع معه ألتراس مثل مشجعي الكرة من سفهاء أطفال يشغبون ويسخرون ويتلاعبون حسب هوى الجاهل ؟؟
وكيف … وكيف …
ولذا فمن الحكمة أن يربأ العالم بنفسه أن ينزل لمستوى هؤلاء وأن يجعل لهم قيمة فغدا يقولون كذبا وبهتانا ولو كان قد مسح بهم البلاط ثم رماهم في الحش وبال عليهم : لقد ناظرنا فلانا وانتصرنا عليه !!
وللأسف العوام لايفهمون جل تلك المسائل وتنطلي عليهم البروباجندا وصياح الأطفال لبطلهم الوهمي ..
رابعا : لايسلم الحوار معهم من نشر كبير لباطلهم وطرح شبهات تبقى في نفوس العوام حتى لو فندها العالم لأن دين هؤلاء مبني على الشبهات والبواطيل وليس مبنيا على مسائل علمية معتبرة يصح فيها الخلاف والنظر .
ومع ذلك فلم يعدم هؤلاء الرد من العلماء وطلبة العلم فأما العلماء فقد ردوا عليهم بأصول الرد وهو هدم طريقتهم المبنية على اطراح كلام العلماء أو الطعن فيهم والجرأة عليهم بالتكفير والتبديع وقد كان لنا قصب السبق في الرد على ذلك بعدة مقالات ومؤلفات ومنها على سبيل المثال مقال : أطفال الآثار . وكتاب الحملة الطرهونية على الغلاة وكتاب القصف المقنن على مكفر المعين دون شروط وموانع .
وأما طلاب العلم فوقفوا معهم وقفات تفصيلية في ذلك وفي كثير مما أثاروه وهذا كاف جدا لمن أحب النظر في بعض ترهاتهم .
وفي نهاية المقال ننبه أن دواء هؤلاء معروف ومشهور عند العلماء وهو التحذير منهم وترك مجالستهم وقد جاءت به السنة الصحيحة والآثار فقد قال تعالى :
{هو الذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ منه آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فأمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشَابَهَ منه ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ في العِلْمِ يقولونَ آمَنَّا به كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا، وَما يَذَّكَّرُ إلَّا أُولو الألْبَابِ} [آل عمران: 7]
وفي الصحيح عن عائشة قالت : تلا رسول الله ﷺ : ” هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ ” إلى قوله : أولو الألباب فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله، فاحذروهم ” . ولفظ البخاري : ” فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ” . وفي لفظ لابن جرير : ” إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك سمى الله فاحذروهم ” . وفي لفظ لابن جرير : ” إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فلا تجالسوهم ”
وتقدم في المقال المشار إليه في أول كلامنا فعل عمر مع صبيغ .
ونكتفي بهذا لعله يوضح ما أردنا توضيحه .. وخير الكلام ماقل ودل
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم