الرقم : 001323 التاريخ : 16 – 1423 هـ
السؤال : الأخ يسأل يقول : كيف نجمع بين حديث فر من المجذوم فرارك من الأسد ، وبين حديث الأعرابي عندما قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ” فمن أعدى الأول ” ؟
الإجابة : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه قوله : ” لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا هامة ، ولا صفر، وفر من المجذوم فرارك من الأسد ” ، هذا هو لفظ الحديث الأول بكامله وفيه بعض زيادات عند بعض الرواة . وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : ” وفر من المجذوم فرارك من الأسد ” اختلف أهل العلم في المراد بذلك ، أي : في الأمر الذي ورد في هذا الحديث . فمنهم من قال بأن قوله صلى الله عليه وسلم : ” وفر من المجذوم فرارك من الأسد ” أمر للمسلم أن يفر من الشخص المريض مرضاً يذكر أنه من الأمراض المعدية ، ولكنهم يجمعون بين ذلك وبين قوله صلى الله عليه وسلم : ” لا عدوى ولا طيرة ” بأن يقولوا : العدوى المثبتة في هذا الأمر الدالّ عليها أمره صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم هي اعتقاد بأن الأمراض تعدي بنفسها ، وأنه لا يمكن أن يقترب شخص مريض من شخص مصح إلا ويحصل المرض بهذا المصح ، وهذا اعتقاد باطل ، فالنفي في أول الحديث لهذا الاعتقاد . والأمر الذي يتضمنه الأمر بالفرار من المجذوم ليس على هذا الاعتقاد وإنما على اعتقاد أنه لا تتم العدوى إلا بإذن الله ، فليس شرطاً أن يكون ذلك الاختلاط والمماسة بين المريض والمصح سبباً في حصول المرض إلا بإذن الله سبحانه وتعالى . هذا القول قول لجماعة من أهل العلم وهو أشهر الأقوال يجمعون فيه بين هذا الحديث و ” فر من المجذوم فرارك من الأسد ” وحديث أيضاً : ” لا يورد ممرض على مصح ” وبين حديث ” لا عدوى ولا طيرة ” وحديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : إن الإبل يكون فيها الجمل فيجرب فتجرب كلها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” فمن أعدى الأول ” ؟ إذا كان هناك عدوى إذاً ما الذي أعدى الأول ؟ الأول لم يكن بجواره أحد مريض فما الذي أتى له بالمرض ؟ إنه الله سبحانه وتعالى ، فالذي أمرض الأول أمرض غيره من الإبل في المكان الذي أصيبوا فيه . فأهل العلم يجمعون هذا الجمع وهو أشهر أنواع الجمع : أن العدوى المنفية هي العدوى التي تكون في ذات المرض ولا يتخلف المرض إذا حصل القرب واللقاء ، والعدوى المثبتة هي : حصول المرض بإذن الله عند حصول الأسباب ومنها اقتراب المريض من الصحيح أو اقتراب الصحيح من المريض . هذا قول كما ذكرت وهو أشهر الأقوال .
القول الثاني : وهو أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” وفر من المجذوم فرارك من الأسد “لم يقصد به إثبات العدوى ، بل أراد للشخص أن يفر من المجذوم حتى لا يقع في نفسه الاعتقاد الباطل بحصول العدوى إذا أصابه المرض ، فلعله إذا أصيب بالجذام قال : السبب في ذلك أنني التقيت بفلان المجذوم ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالفرار من المجذوم حفاظاً على عقيدة المسلم حتى لا يعتقد في نفسه أنه أصيب بالجذام بسبب اقترابه من هذا المجذوم ، ففي هذه الحالة يعتقد بالعدوى ، والعدوى باطلة . فإذاً تكون العدوى في أول الحديث منفية مطلقاً ، والأمر بالفرار حفاظاً على عقيدة المسلم لئلا يقع في نفسه التصديق بما يقال في العدوى .
هذا القول الثاني قول وجيه وجيد .
وهناك قول ثالث : وهو أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” فر من المجذوم فرارك من الأسد ” ، ليس أمراً على ظاهره ، وإنما المراد به أنك مهما فررت من المجذوم فإن الإصابة سوف تكون لك إذا أراد الله لك المرض ، كما في قول الله سبحانه وتعالى : ( اعملوا ما شئتم إني بما تعملون عليم ( فقوله : ( اعملوا ما شئتم ) ليس المراد به الأمر بالعمل ، وإنما هذا من باب التوبيخ ومن باب التحذير من الوقوع في هذا العمل ، ولكن أطلق ذلك الأمر ولم يرد به التنفيذ . فإذاً النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ، وفر من المجذوم فرارك من الأسد ” فإن أراد الله لك المرض فسوف يأتيك مهما أردت ” .
وهذا القول قول قوي جداً ، وهو أظهر الأقوال في نظري
والله تعالى أعلم .