من لقاء مع منتدى المشكاة :
بالنسبة لمنهج طالب العلم وما أنصح به من كتب فقد كنت رددت على رسالة من موقع لها أونلاين أنسخها لكم هنا ردا على سؤالين متعلقين بذلك :
1-ما القاعدة الأساسية من العلم الشرعي التي ينبغي للداعية أن تلم بها قبل أن تتصدر للدعوة ؟
القاعدة الأساسية من العلم الشرعي التي ينبغي للداعية أن يلم بها سواء كان رجلا أم امرأة يمكن إجمالها في هذه المواد :
أولا : عقيدة صحيحة مستقاة من الكتاب والسنة الصحيحة بفهم السلف الصالح ، وضبط لما يتم به خلوص التوحيد من الشركيات ، مع معرفة إجمالية بمدخل إلى علم العقيدة والديانات والفرق والمذاهب المعاصرة ، والتعرف على مراجع معتمدة في ذلك .
ثانيا : حفظ قدر لا بأس به من القرآن الكريم مع تلاوته تلاوة صحيحة مبنية على قواعد التجويد مع الإحاطة بتفسير إجمالي للقدر المحفوظ مصدره تفسير معتمد كتفسير ابن كثير مثلا بحيث يمكن استحضار الآية وتفسيرها عند الحاجة ، وهذا القدر يشمل على الأقل جزء عم والسبع الطوال . مع معرفة إجمالية بمدخل إلى علوم القرآن وأصول التفسير ومناهج المفسرين ، والتعرف على مراجع معتمدة في ذلك .
ثالثا : حفظ قدر لا بأس به من الأحاديث الصحيحة مع فهم معانيها من خلال شروح العلماء المشهود لهم بالفضل مع ضبطها لغويا بحيث يمكن استحضار ذلك عند الحاجة وأقل ذلك الأربعين النووية مع قراءة مختصر صحيح البخاري ومختصر صحيح مسلم كاملين ، ومعرفة إجمالية لمدخل إلى علم أصول الحديث ، والتعرف على مراجع معتمدة في ذلك .
رابعا : الإحاطة بفقه الحديث المتعلق بأركان الدين من صلاة ومايلزمها من طهارة وزكاة وصيام وحج وبعض المعاملات كالنكاح والطلاق والبيوع ونحو ذلك . ومعرفة إجمالية لمدخل إلى أصول الفقه ونشأة المذاهب الفقهية وأسباب الاختلاف والفقه المقارن .
وتختص المرأة الداعية بإتقان المسائل المتعلقة بالمرأة ودورها الذي خلقت لأجله للحاجة الماسة إلى ذلك في أوساط النساء .
خامسا : الإحاطة بكم طيب من سير السلف الصالح والعلماء الربانيين وقصص الصالحين الثابتة مع جملة صالحة من علم الأخلاق والآداب الشرعية لاسيما أدب طالب العلم وأخلاق الداعية ، وشيء من الزهديات والرقائق من كتب معتمدة بعيدا عن شطحات الغلاة من المتصوفة ونحوهم .
سادسا : إجادة اللغة العربية بما تقيم به لسانها والتدرب على الخطابة وإلقاء المحاضرات بطريقة لبقة غير مملة ولا منفرة وحفظ كم طيب من الأشعار الدعوية والحكم التي ترصع بها مقالاتها .
2-هل لكم أن تعطونا منهجا لطلب العلم على سبيل تأصيل قضية طلب العلم الشرعي؟
قبل التعرض للمنهج المقترح لطلب العلم يبنبغي أن ننبه على نقطة مهمة وهي الاختلاف بين المريد لطلب العلم في زماننا وبين شبيهه في زمن السلف الصالح أعني قضية التربية والنشأة ومؤثرات المجتمع بالإضافة لضعف اللغة لذا فإنني أرى أنه لابد من منهج مختلف نوعا ما عن منهج طلب العلم في العصور المتقدمة الفاضلة وما تبعها لهذه الحيثية فأرى أن يبدأ طالب العلم بتزكية نفسه أولا وتعريفها على منزلة العلم وأهله وكيف يجعل عمله خالصا لله وكيف يتخلص من الإغراق في متاع الدنيا والانشغال بفتنها ثم بعد ذلك يبدأ في المنهج المتبع المعروف ، وعليه فيكون الطلب كالتالي :
أولا : دراسة كتاب في آداب طالب العلم مثل الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي ومن الكتب الحديثة كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر أبو زيد وقراءة كتاب في فضل العلم ككتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر .
ثانيا : دراسة كتاب في الأخلاق والتربية مثل كتاب السير والأخلاق ومداواة النفوس لابن حزم وقراءة كتاب صيد الخاطر لابن الجوزي وتلبيس إبليس له وكتاب محاسبة النفس والإزراء عليها لابن أبي الدنيا أو مايقوم مقامها .
ثالثا : قراءة كتاب في الزهد مثل كتاب الزهد والرقائق لابن المبارك أو الزهد للإمام أحمد .
رابعا : قراءة كتاب في تراجم السلف الصالح وعلماء الأمة مثل المجلدات الخمس الأولى من سير أعلام النبلاء وتقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وحلية الأولياء لأبي نعيم أو الاطلاع على تراجم مشاهير الأمة في أي كتاب معتمد .
خامسا : دراسة علوم الآلة من لغة ونحو وما إلى ذلك مثل قطر الندى وبل الصدى لابن هشام وشذا العرف في فن الصرف لأحمد الحلاوي ويستغنى عنهما بشرح ابن عقيل لألفية ابن مالك وذلك في النحو والصرف أما علوم البلاغة والأدب واللغة فعليه بالاطلاع على كتاب في اللغة مثل مختصر الصحاح للجوهري وكذا أساس البلاغة للزمخشري وكتاب إعجاز القرآن للباقلاني والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني وتفسير غريب الحديث لابن حجر .
وبعد هذه الأمور الخمسة التي أريد بها تربيته أولا وتصحيح لسانه ولغته وتهيئة نفسه على عدم الغرور والعجب يبدأ الطلب جامعا بين الكتاب والشيخ ويفضل أن يكون شيخه من العلماء المعروفين فإن لم يتيسر فمن طلبة العلم المبرزين المجازين من العلماء ويحرص على الابتعاد عن المبتدعة إلا إذا لم يجد غيرهم فليحذر بدعتهم بعد سؤال أهل العلم عن كيفية ذلك ، ويفضل الالتزام بدراسة نظامية أو الانتساب فيها إن أمكن فإن عجز فليحاول الالتزام بدورات أو دروس يتبعها اختبار ، فإن لم يتمكن من الجمع بين الكتاب والشيخ فليجمع بين الكتاب والشريط المسموع ، فإن لم يتمكن فعليه بالكتاب على أن يحرص على عرض مايشكل عليه على الشيوخ ولا يجعل شيخه كتابه فقط بحال من الأحوال ثم يسير على هذا المنهج المقترح :
أولا : حفظ القرآن : يحرص على حفظ القرآن كاملا إن كانت لديه همة في ذلك فإن لم يتمكن فليحرص على حفظ المفصل وهو من سورة ق إلى نهاية القرآن مع السبع الطوال فإن لم يتمكن فالمفصل مع الزهراوين البقرة وآل عمران ويلتزم بدراسة التجويد من خلال كتاب مختصر فيه وكتب التجويد متقاربة على شيخ يتابعه في الأداء بحيث يتمكن من إتقان التلاوة .
ثانيا : دراسة التفسير وعلوم القرآن : يبدأ بدراسة كتاب في أصول التفسير مثل مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية بشرح الشيخ ابن عثيمين ودراسة كتاب في علوم القرآن مثل الإتقان للسيوطي إن استطاع وإلا فزبدة الإتقان في علوم القرآن لمحمد عمر بازمول ثم يدرس من كتاب تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير تفسير سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة مع المفصل .
ثالثا : دراسة الحديث وعلومه : يبدأ بدراسة كتاب في أصول الحديث مثل الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير شرح أحمد شاكر فإن صعب عليه فيدرس من الكتب المحدثة مثلا تيسير مصطلح الحديث للطحان كما يدرس كتابه أيضا في طرق التخريج ودراسة الأسانيد ثم يدرس الأربعين النووية مع شرحها لابن رجب ثم يدرس مختصر صحيح البخاري للزبيدي ومختصر صحيح مسلم للمنذري .
رابعا : التوحيد والعقيدة : يبدأ بدراسة كتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب شرح عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وكتاب شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية شرح هراس . ويدرس كتابا في الفرق مثل الفرق بين الفرق فإن لم يستطعه فعليه من الكتب المحدثة بكتاب الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة لعبد القادر شيبة الحمد .
خامسا : الفقه وأصوله : يبدأ بدراسة كتاب في أصول الفقه مثل روضة الناظر لابن قدامة مع النبذ في أصول الفقه لابن حزم ثم يدرس فقه الحديث من خلال كتاب موجز مثل سبل السلام شرح بلوغ المرام لابن حجر شرح الصنعاني وإن كان في مقدوره دراسة نيل الأوطار شرح منتقى الأخيار للمجد ابن تيمية شرح الشوكاني فهو أفضل .
سادسا : السيرة النبوية والتاريخ : يبدأ بدراسة السيرة النبوية لابن إسحق تهذيب ابن هشام مع شرح لها إن تيسر كالروض الأنف للسهيلي مع الاطلاع على كتاب البداية والنهاية للحافظ ابن كثير ويدرس منه على وجه الخصوص تاريخ الأنبياء وصدر الإسلام .
هذا هو المنهج المقترح حسب ماجادت به القريحة الآن ولي في الواقع رأي في المنهجية في طلب العلم وهو عبارة عن فكرة بدأت في تنفيذها ولعلني أستطيع إتمامها فقد ألفت مذكرة أثناء تدريسي في كلية التربية سميتها المدخل الصغير إلى علوم العقيدة والحديث والتفسير وعندي نية في تطويرها واستيعابها لبقية علوم الإسلام وأرى أن يبدأ بها كل طالب علم قبل دخوله في العلم الذي يرغب دراسته باستفاضة وقد تم تطوير جزء منها في دورة علمية على الإنترنت وسميتها الدورة الأولى المفتوحة في الحديث الشريف وعلومه وهي مسجلة صوتيا كاملة في موقعي وكذا مفرغة وقد شارك فيها فضيلة الدكتور عاصم القريوتي وتفاصيل الدورة في الموقع وأرى بالنسبة لطالب علم الحديث أن يبدأ بهذه الدورة ثم يتبعها بما ذكرت ، وسوف يكون بإذن الله دورات أخرى على غرارها في سائر العلوم الشرعية أسأل الله التوفيق والسداد .
عنوان الموقع : www.tarhuni.org
وفي نهاية حديثي هذا لابد من التنبيه على ملاحظات ثلاث :
الأولى : أنه لاشك من كون طالب العلم قد تحصل على كم لا بأس به من هذه العلوم خلال حياته سواء في المدرسة أم في المسجد أم في الجلسات العامة ولكن المراد هنا المنهجية والتأصيل وصقل هذه المعلومات ودراستها بطريقة منضبطة .
الثانية : أن هذه النقاط ماهي إلا نقطة انطلاق للخوض في العلوم الشرعية فهي الخطوة الأولى لطالب العلم وعليه أن يخطو بعدها خطوات وخطوات في مشواره الطويل فكم من فن لم نتعرض له وكم من كتاب مهم جدا لم نعرج على ذكره .
الثالثة : ينبغي لطالب العلم ألا يعتبر نفسه قد درس كتابا أو اكتسب علما حتى يختبر نفسه فيه إما على يد شيخه أو بينه وبين زملائه أو بينه وبين نفسه ويعرض ذلك على شيخه وعليه أن يحرص على استجازة شيخه في هذا العلم لتأكيد ذلك .
نقطة أخيرة ننهي بها حديثنا وهي التأكيد على الإخلاص في طلب العلم وابتغاء وجه الله به والمداومة على تصحيح النية في ذلك .
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
محمد بن رزق بن طرهوني
طيبة الطيبة في 3/8/1422هـ
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=10650&page=3