أرسل إلي بعض الأخوات بفتاوى لبعض المشايخ حول لباس المرأة أمام النساء ولباس البنطال للزوج واشتكين من تضييق بعض الأخوات عليهن في لباسهن في الأفراح بسبب هذه الفتاوى وطلبن ما أراه في ذلك فكان هذا الجواب :
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فقد اطلعت على الفتاوى المرفقة لمشايخنا الأجلاء ووجدتها تدور حول ثلاث نقاط .
النقطة الأولى : أنها استحباب أو كراهية منهم عبر عنه بلفظ : لا ينبغي ونحوه ، أو أخشى أن يكون …. أو لا أنصح به ونحو ذلك ففهمها من فهمها من العوام على أنها أحكام شرعية للمنع والتحريم لجهل العوام بالألفاظ الشرعية ومدلولاتها ، فإن لم يجد القاريء لفظ يحرم ويجب ولا يحل ولا يجوز ويفترض ونحو ذلك فليلعم أن الأمر ليس فيه حرام ولا حلال .
النقطة الثانية : في تفصيل العورة وإظهارها
وهذه النقطة حدث فيها تداخل لدى القارئات بين حديث هؤلاء المشايخ عن إبراز المفاتن أمام الأجانب من الرجال وبين إبرازها أمام النساء والمحارم والأطفال وغير أولي الإربة وملك اليمين والزوج ، والأدلة المذكورة كلها تتعلق بالرجال الأجانب ولا ذكر البتة لغيرهم فيها من زوج ومحارم ونساء وأطفال ومن ذكرنا معهم ، والأدلة الشرعية المتوافرة تثبت بما لا مجال للشك فيه لدى أصغر طالب علم أن عورة المرأة أمام المرأة لا تتعدى العورة المغلظة وهي السوأة فقط وزاد بعضهم استنادا لأدلة فيها ضعف أنها من السرة إلى الركبة ، وما عدا ذلك لا أعلم فيه خلافا لأحد يذكر في أهل العلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر عورة المرأة أمام الرجال الأجانب . فهذا ستر النساء عن الرجال . ثم أضاف :
وستر الرجال عن الرجال، والنساء عن النساء . في العورة الخاصة كما قال صلى الله عليه وسلم : لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة وكما قال : احفظ عورتك إلا عن زوجتك أو ما ملكت يمينك ، قلت : فإذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يراها . قلت : فإذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : فالله أحق أن يستحيا منه . ونهى أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد والمرأة إلى المرأة في ثوب واحد وقال عن الأولاد : مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع . فنهى عن النظر واللمس لعورة النظير لما في ذلك من القبح والفحش . وأما الرجال مع النساء فلأجل شهوة النكاح . (الفتاوى 22/113)
انتهى هنا كلام شيخ الإسلام الذي أردنا نقله وهو كاف جدا مع استدلاله بالأدلة ، فليس هناك شيء اسمه كاسيات عاريات بين النساء بعضهم مع بعض على الرغم من اختلاف أهل العلم في معنى هذا الحديث فمنهم من قال : المراد : كاسيات في الدنيا عاريات في الآخرة ، ومنهم من قال : كاسيات بالملابس عاريات من الحسنات والأجور ، وليس تفسير أحدهم بأولى من الآخر ، والمعنى المذكور في الفتوى المنشورة لا يختلف اثنان في كون المراد به من لا يجوز أن تظهر له المرأة مفاتنها .
ويستثنى من النساء الكافرات فقد قال القرطبي : قال عبادة بن نسي كتب عمر إلى أبي عبيدة بن الجراح إنه بلغني أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين فامنع من ذلك وحل دونه فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة
ونقل أبو حيان عن ابن عباس أنه قال : ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة ولا تبدي للكافرة إلا ما تبدي للأجانب إلا أن تكون أمة لقوله أو ماملكت أيمانهن .
وهذين الأثرين تضمنا جواز تجرد المسلمة أمام المسلمة مع استثناء العورة للحديث الصحيح .
وإن كان الرجل من غير أولي الإربة قد اطلع من جلوسه مع النساء على دقيق المفاتن فكيف بالنساء بين بعضهن في الحديث الصحيح أن رجلا من غير أولي الإربة كان جالسا عند أم سلمة فقال لأخيها : إذا فتحت عليكم الطائف غدا دللتك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان . فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء بعد ذلك .
وفيه دلالة لا شك فيها على اطلاع النساء بعضهن على بعض على ذلك وأكثر .
ووصل الأمر باحتكاك النساء فيما بينهن إلى افتضاض بعضهن لبعض بالإصبع وذلك في عصر الصحابة والتابعين وتكررت الحادثة فقضى فيها علي وابنه الحسن بن علي وعبدالله بن المغفل وفضالة بن عبيد وقبيصة بن ذؤيب والشعبي ، ودخلت جاريتان الحمام فدفعت إحداهما الأخرى فانقضت عذرتها فقضى لها شريح بالصداق .
واختلاط النساء بالنساء والرجال بالرجال بدون تحفظ أمر معلوم مشهود مشهور من عهد السلف وحتى عصرنا الحالي وإرضاع المرأة لولدها بحضرة النساء وإخراجها ثديها بحضرتهن من الأمور المنتشرة ولا يتحفظ من ذلك إلا شديدات الحياء .
ولشدة اختلاط كل من الجنسين بعضهما ببعض بدون تحفظ وذلك مظنة كشف العورات وحصول الشذوذات حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مباشرة الرجل للرجل والمرأة المرأة يعني الدخول سويا مع التعري الكامل تحت غطاء واحد ، فقال : لا تفضي المرأة للمرأة في الثوب الواحد ولا الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد . ونهى أيضا عن إبداء كل منهما للآخر عورته .
فقال : لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة
وقال ابن حزم في كتاب الإجماع : واتفقوا على أن الفرج والدبر عورة .
وما سوى العورة المتفق عليها وهي الفرج والدبر ضابطه الحياء فالنبي صلى الله عليه وسلم بقي كاشفا فخذه أمام أبي بكر وعمر فلما دخل عثمان غطاه وقال : ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة ؟
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يحتبي الجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء
رواه البخاري في باب : ما يستر من العورة وقال ابن حجر : الظاهر من تصرف المصنف أنه يرى أن الواجب ستر السوأتين فقط.
وقال النووي : ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الفخذ عورة وعن أحمد ومالك في رواية العورة القبل والدبر فقط وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والاصطخري .
وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة : وحد العورة من المرأة الحرة خارج الصلاة هو ما بين السرة والركبة إذا كانت في خلوة .ز…. أو في حضرة نساء مسلمات ، فيحل لها كشف ما عدا ذلك من بدنها بحضرة هؤلاء.
واستنادا لما تقدم جاز للمرأة اختيار ما تلبس من ثياب سواء كانت كاشفة لبعض جسدها أو شفافة أو ضيقة مالم تظهر العورة أو تفصلها ما دامت وسط نساء مسلمات كما يجوز نظرهن إلى ذلك منها ولمسهن له ما لم يكن مقصودا به شهوة بسبب شذوذ ، ونعني بالعورة السوأتين بالاتفاق ومن السرة إلى الركبة على القول المرجوح للخروج من خلاف العلماء وما سوى ذلك فليس فيه أي دليل مانع .
ومن كمال حياء المرأة الاحتشام واختيار اللباس الموافق لجسمها وسنها ومراعاة الأعراف من غير تحريم أو إيجاب لأن تحريم الحلال كتحليل الحرام وقد قال تعالى : (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ) والحياء لا يأتي إلا بخير
النقطة الثالثة : في التشبه سواء كان بالرجال أو بالكافرات
يشترط في التشبه النية وهو الفرق بين التشبه والمشابهة ، ويشترط أن يكون فيما لا فائده من ورائه مرجوة ، ويشرط أن يكون فيما يعتبر من خصوصيات المتشبه به .
فقد ثبت في الصحيح في حديث تزويج الرجل بما معه من القرآن لبس المرأة لإزار الرجل لأن الإزار ليس من لباس الرجل الخاص به .
وثبت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في شعار لبعض نسائه . لأنه لم يقصد به التشبه ولبسه لفائدة .
ولبس النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم ثيابا يمنية ومصرية وغيرها لعدم اختصاصها بالكافرين .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء للمتسرولات من النساء والسراويلات ليست من لباس الرجال كما يتوهمه البعض بل هي لباس مشترك مثل الإزار .
ومعظم ثياب النساء الآن إن لم نقل كلها تفصيلات وصناعات غربية سواء كانت تنانير أو بلايز أو فساتين أو شلحات أو ملابس داخلية أو بنطلونات أو بكلات أو اكسسوارات أو أدوات تجميل وعطورات وغيرها فللمرأة أن تنتقي ما شاءت منها ما لم تقصد التشبه ، ووجدت فيه جمالا لها أو رغبة من زوجها فيه أو فائدة لها .
أما من يفرق بين التنانير والبنطلونات أو بين البلايز والفساتين فيلزمه الدليل على تلك التفرقة وهيهات .
ومثل ذلك يقال في أثاثات البيت واستخدام الأدوات ونحوها فأغلب ما حولنا من الصناعات من ذلك الباب ونحن نستخدم منها ما ينفعنا ، وإلا وجب ترك السجاجيد والمقاعد والأقمشة الخارجية والميكروفونات والسيارات والساعات وغيرها مما لا يشمله الحصر .
وأخيرا هي رسالة عاجلة ليست مجالا للتفصيل أكثر من ذلك ، وإلا فهي تحتاج لكتاب مفصل مع ذكر الأدلة بإسهاب . والحمد لله رب العالمين