المنظِّر المتناقض
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فعطفا على مقالنا (ظاهرة التكفيري العاطل المناصر للكفار) نتكلم هنا عن شبيه له وهو لايقل سوءا عنه ولا إضرارا منه
هذا الأخ يجعل نفسه دائما مستثنى منه فموقعه الدائم في عقله الباطن بعد إلا الاستثناء !!
كل تنظير ينظره لاينظر فيه لنفسه ! وبينه وبين نفسه حجاب فلا يراها حتى يلج الجمل في سم الخياط …
قال تعالى : (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ؟ )
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : يُبْصِرُ أحَدُكُمُ الْقَذَاةَ في عَيْنِ أخِيهِ، وَيَنْسَى الْجِذْعَ فِي عَيْنهِ
عَجِبْت لِمَنْ يَبْكِي عَلَى مَوْتِ غَيْرِهِ *** دُمُوعًا وَلَا يَبْكِي عَلَى مَوْتِهِ دَمَا
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا أَنْ يَرَى عَيْبَ غَيْرِهِ *** عَظِيمًا وَفِي عَيْنَيْهِ عَنْ عَيْبِهِ عَمَى
فعلا هذه النوعية من أعاجيب الدهر
يجلس على الكيبورد من ربوة عالية وينظر وليته أهلا للتنظير
الأخ يرى إخوانه يتحرقون ألما على إهانة النبي صلى الله عليه وسلم ويدعون للمقاطعة أو التظاهر أو المطالبة بطرد السفير أو اتخاذ أي موقف إنكاري فتجده يسخر من فعلهم وما يترتب عليه ومايرجى منه من الفائدة ويجلدهم على قعودهم عن الجهاد والتحول للذئـ_اب المنفـ_ردة .. طيب يا أخانا ! أين موقعك أنت من الإعراب ؟ لعلك في برجك التنظيري العاجي تكتب بكلاشك ولديك الفراغ في جبهة قتالك للفيس وتويتر والفايف جي متوفر عندك أو أنك تكتب على عجل وأنت تطعن أهل الكفر أو من تراه في شوارع فرنسا وتريد أن تضرب عصفورين بحجر واحد !!
الأخ تجده يلعن ويكفر ويتسخط على من يجتهد لتخفيف الضرر عن المسلمين بانتخاب من هو أقل كفرا وأشد ضررا على عباد الله ويسعون للإنكار على ترك التحاكم للشريعة بما يتوفر لديهم من إمكانات متواضعة .. طيب يا أخانا ! ماذا تعمل أنت على لابتوبك فأصابعك يفترض أنها على الزناد لا على مفاتيح الكيبورد لتغير الواقع الأليم بالطريقة السليمة شرعا ونتيجة في نظرك !! ولاتنس أنك إن لم تفعل شيئا فأنت راض بالكفر وأنك قد انتخبت فعلا الأشد ضررا والأخبث كفرا شئت أم أبيت ومهما بررت ..
الأخ تجده مكفرا متبرئا ممن يقر باحترامه للقانون والدستور كذبا ولدفع الضرر ويكيل له جبالا من النقد والتجريم وهو قد أقر عشرات المرات بذلك في جميع أوراقه الرسمية وفي جميع برامج التواصل وفي جميع برامج التعامل مع الكمبيوتر وفي جميع عمله وسكنه وتجارته وهو لايشعر أو يشعر ويستعبط !!
الأخ يزري على من يعيش في بلاد الكفر ويرى أنهم يستحقون كل هوان وذلة ويهدر دماءهم وأعراضهم لأنهم رضوا بالعيش بين الكفار وكأن جرمهم مسألة إجماعية لا استثاء فيها ! وكأن الأخ يعيش في رحاب الخلافة الراشدة تحت إمرة أمير المؤمنين وبجوار خيار الصديقين والصالحين ولذا فهو متفرغ للطقطقة على مفاتيح الكيبورد للعن إخوانه المسلمين ..
الأخ يرى من يرقق قلوب إخوانه بالمواعظ وبكلمات العلماء التي تضيء لهم حياتهم ويرى من ينشر دروسا وفقها ودورات علمية ويرى من يحث على صوم وذكر وعبادة وما إلى ذلك فتثور ثائرته أين الجهاد وبذل النفوس لله تعالى بل قل بالأحرى أين التكفير وإخراج المسلمين من دين الله تعالى !! فأنت على جهازك ولعل بجوارك بعض التسالي وكأسا من العصير أو كوبا من الشاي فلا نفسا بذلت ولا خيرا فعلت ولا إليه دعوت ..
الأخ يرى العالم يعلم الناس ويزيل عنهم معرة الجهل بدين الله تعالى ويقرر لهم المسائل ويقربها لهم ويدعوهم لطلب العلم وفق المنهج الصحيح فينبري الأخ لنبز العالم والوقيعة فيه لأنه أولا قاعد وليس من أهل الثغور وثانيا لأنه لايجهر بالحق كما ينبغي وثالثا لأنه يعيش تحت إمرة الطواغيت ورابعا وخامسا وهلم جرا .. والأخ في كل ذلك واقع فيما يدعيه في العالم من باب أولى ومتخف تحت اسم وهمي خوفا ورعبا من أن يناله أي أذى ثم هو قد قتل اللغة نحوا وصرفا وإملاء ولو قرأ سيبويه كتابته في نقد هذا العالم لمات من ساعته كمدا
وهكذا ديدن هذا الأخ المسكين المريض نفسيا المحبط واقعيا المضيع لوقته فيما لايعود عليه بنفع في دين ولا في دنيا المدمر لشبابه فيما يضر نفسه ويضر غيره .. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ..
دع الخلق يعملون وانشغل بنفسك وبعيوبك وتقصيرك في جل أمورك وأصلح نفسك أولا
يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ
هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى
كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا
فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى
بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصل التسليمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ
ولاتنس قوله صلى الله عليه وسلم :
لاتحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق
(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )