أنا عامي ولكن أفهم أكثر من العالم !!!!
جملة غبية ..أليس كذلك ؟ ولكنه للأسف واقع كثير من الناس ..بل كثير جدا ..
السائل الذي يسأل لايخلو من حالين :
إما أن يكون سائلا مسترشدا يريد حقا معرفة المسألة فأتى لمن يظن فيه أنه عالم بها فيسأله يطلب منه الجواب الذي فتح الله عليه به بما حباه من علم .. وهنا يأخذ جوابه مسلما مطمئنا فقد سأل به خبيرا
وإما أن يكون سائلا مختبرا يعتقد جوابا مسبقا إما اعتقده عن علم وإما اعتقده عن جهل وهذا من قصدناه بكلامنا ونحدد منه القسم الثاني
فالعالم الذي سأل مختبرا عن علم لا يعنينا الآن
وإنما الذي يعنينا الجاهل العامي الذي يسأل العالم عن مسألة ما وهو قد وقر في نفسه جواب له تلقفه من جهال مثله أو من عالم آخر فهمه صوابا أو خطأ فإذا أجابه العالم بخلاف ما يعرف إذا به يبدأ في مجادلة العالم وتخطئته في جوابه ومحاولة هدايته للصواب ويسوق له خربشات يظنها أدلة وربما ذكر فيها آية وهو طوال عمره ما جلس بين يدي عالم يدرسه التفسير وأصوله وطرق الاستنباط من الأدلة وما إلى ذلك وربما لايحفظ من كتاب الله سوى اليسير الذي يقيم صلاته ولايعرف من لغة العرب سوى مادرسه في مدارس الأطفال وفي الجهة الأخرى العالم الذي ربما له عشرات السنين درس فيها كل مايخطر بالبال من علوم التفسير حتى برز وأتقن حفظ القرآن كاملا بقراءاته العشر وغاص في اللغة وبحارها ثم انبرى لتدريس ذلك والتأليف فيه حتى أصبح مرجعا للعلماء فضلا عن طلاب العلم والعوام ..
هكذا بكل بساطة يأتي هذا العامي الجاهل ويحاج العالم النحرير بآية وكأن هذا العالم لم تمر عليه هذه الآية ولايعرف دلالاتها ..
المصيبة العظمى في ذلك .. وسبب كتابة المقال أن يقر هذا العامي الجاهل بأنه عامي ! يا أخانا ..كيف بالله أنت عامي ثم تتعامل مع العالم بأسلوب أساتذته وكبار العلماء فتتجرأ ان تصحح له وتفند فتواه وتحريراته العلمية ..
يابني .. العلم الشرعي ليس مرعى يرعاه الهمل .. أشفق على رأسك من نطح الصخور ..إن أردت أن يكون لك قول في دين الله فطأطئ رأسك وابرك على ركبتيك بين يدي العلماء عشرات السنين ..واجعل طعامك وشرابك العلم .. صباحك ومساءك العلم .. منامك ويقظتك العلم .. وإياك وشغل البطالين .. تفني عمرك في الدنيا وعملها ثم تتجرأ على الآخرة وعلمها ..
هذه النصيحة إشفاقا عليك من مغبتها ..فوالله لن يضر العالم سفاهتك وتجرؤك على منزلته وإنما ستضر نفسك بالقول على الله بغير علم وما أعظم جرمه ..
وليس هذا الأمر حاصلا فقط في مجال العلوم الشرعية بل هو حاصل في سائر جوانب الحياة لكن خطورته العظمى في الجوانب الشرعية لعظم شأنها
قد تجد شابا حديث السن يجادل من شابت لحاه في أمر من أمور الحياة مما يتطلب خبرات وتجارب وسنوات عركت بين أصناف البشر ..
وتجد فتاة لم تتزوج بعد تجادل امرأة أنجبت عشر بطون فيما تشعر به الحامل وما تمر به ..
وهكذا ترى العجائب في هذه الدنيا .. وما ذلك إلا لضياع الأصول .. واختلال التربية .. وفقدان البوصلة ..
الفتوى للعالم .. والتسليم للعامي
الرأي للكبير .. والسماع للصغير
الأمر للقائد .. والتنفيذ للرعية
فإذا انقلبت الصورة فعلى الدنيا السلام ..
والسلام !