همسة في أذن قارئ القرآن
ما أجمل أن تكون قارئا للقرآن .. أن تكون من أهل الله الذين هم أهله وخاصته .. هنيئا لك ثم هنيئا لك ..
من مثلك ؟ لو ظننت أن أحدا أعطي أفضل منك في هذه الدنيا فقد ازدريت نعمة الله عليك
أما في الآخرة فمنذ لحظاتها الأولى القرآن أنيسك وجليسك وشفيعك في القبر ثم إذا بعثت جاءك القرآن ليظللك ويحميك من لهيب الشمس
ثم ما عليك إلا أن تقرأ وترتل كما كنت ترتل في الدنيا فسوف ترقى وترقى في منازل ودرجات الجنة حتى تكون منزلتك عند آخر آية تقرؤها .
ولا تنس وجاهتك عندما تقف بين يدي الكريم المنان فتشفع فيمن تشفع فيه من أحبابك ممن ابتلوا فيجاب سؤلك ويظهر للجمع قدرك .
ولأن الخراج بالضمان فاقبل عتابا من محب لك يعاتب نفسه به قبل أن يعاتبك ويلوم نفسه عليه قبل أن يلومك .
لن أذكرك الآن بتصحيح النية فلا يخفى عليك أن أول من تسعر به النار قارئ للقرآن لأنه ما أخذ القرآن إلا ليقال له قارئ وقد قيل .
ولن أذكرك بتعاهد القرآن لئلا يتفلت منك فهو أشد تفلتا من صدور الرجال من الإبل في عقلها .
وإن قارئ القرآن إذا قام به فقرأه بالليل وقرأه بالنهار لم ينسه وإذا لم يقم به نسيه .
ولن أذكرك بتعليم القرآن لأهلك وذويك وأحبابك وجيرانك فأنت تعلم جيدا أن خير المسلمين من تعلم القرآن وعلمه .
ولن أذكرك بأن تجعل لك وردا من القرآن تقرؤه كل ليلة فتختم في أربعين أو شهر أو أقل إلى الثلاث لكي تفقه القرآن .
ولن أذكرك بتدبر القرآن فإن ذلك هو عمود الأمر فما نزل القرآن إلا لنتدبر آياته فيذكر أولو الألباب ويعرض عنها أولو الأقفال .
ولا يمكنك التدبر حتى تتعلم التفسير وتثني الركب عند علمائه فتحظى بأشرف العلوم لأنه يتعلق بأشرف الكتب .
ولكن دعني أذكرك بما لاحظته علي وعلى إخواني قراء هذا الكتاب العظيم من تساهل في تطبيق قواعد تلاوته كما أنزل وكما أمر الله .
كيف هذا ؟ أنت لاشك تتقن التجويد فإن الأمر كما قال ابن الجزري رحمه الله : والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم
ولكنك قد تتساهل في مواقف منها عند الحفظ وعند المراجعة وعند القراءة لتنهي وردك وعند صلاتك وحدك خاصة الصلاة السرية .
وقد يزين لك هذا التساهل فتاوى من بعض العلماء الأفاضل بأن التجويد مستحب فقط وليس بواجب .
وهذه الفتوى خطأ محض سببه نشأة هؤلاء العلماء في بيئة لم يكن فيها انتشار لبعض العلوم خاصة علم القراءات والتجويد .
وكما يقال : من جهل شيئا عاداه . ولا يخفى عليك وأنت قارئ لكتاب الله أن لكل علم رجاله فإياك أن تسأل في ذلك سوى أهل القرآن .
ووجوب القراءة بالتجويد إجماع بخلاف تعلم علم التجويد فهو من فروض الكفايات كسائر العلوم الشرعية .
وإذا تقرر ذلك فلنعد لموضع اللوم والعتاب ونقول هل نحن نتعلم التجويد ونطبقه ونحسن أصواتنا لكي يسمعنا الناس ويثنوا علينا ؟
ما بالنا إذا قرأنا في مجلس أو صلى أحدنا إماما بالناس نزين أصواتنا ونخشع ونرتل على أكمل وجه مراعين لقواعد التلاوة .
ثم إذا انفردنا بالقراءة أهملنا ذلك وربما نهذه هذا وننثره نثر الدقل ؟
لا حول ولا قوة إلا بالله والله إن الله أولى بذلك من البشر فكما في الحديث : ما أذن الله لشيء أذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به .
والله أشد أذنا لقارئ القرآن من صاحب القينة لقينته .
وكل عمل شرعي يراد به وجه الله فهل اختلف المقصد بين صلاة وصلاة ووقت ووقت وسبب لقراءة وسبب آخر .
وبعد رب العزة والجلال أليست الملائكة أولى من البشر أن تطربها بصوتك الجميل وقراءتك العذبة المتقنة .
ألم تحفظ قصة أسيد بن حضير عندما كان يقرأ سورة الكهف ويرتلها فدنت الملائكة أمثال المصابيح لتستمع لتلاوته .
فأذكرك ونفسي أخي الحبيب أن تلتزم بأحكام التلاوة وأن تتغنى بالقرآن في جميع أحوال قراءتك فالعبرة بالكيف لا بالكم .
وفي هذا الشهر الكريم شهر القرآن نقبل جميعا على القرآن ونحاول أن نختمه مرات ومرات فانتبه لتلك الهمسة لاتفرط فيها
ولا تنس حديث النبي صلى الله عليه وسلم الخطير : ليس منا من لم يتغن بالقرآن .. نعم هكذا : ليس منا من لم يتغن بالقرآن .