نحن إمَا حمقى وإمَا هلكى
صعد الخليفة عمر بن عبد العزيز المنبر فلم يزد على كلمتين. قال يا أيها الناس أنتم إمَا حمقى و إمَا هلكى…الله أكبر إنها الحقيقة المرَة تجسدت في هذه العبارة القصيرة…رحمك الله يا عمر فضحت الخلق في كلمتين اثنتين …إنه عمر بن عبد العزيز صاحب النفس التواقة لمعالي الأمور تاقت نفسه للخلافة وماذا بعدها في درجات الدنيا مشارق الأرض و مغاربها تحت سلطانه، فلما نالها عرف حقيقتها و أنها سراب خادع فتاقت نفسه لأعلى منها وهي الجنة التي تنحصر فيها الحياة الحقيقية .حتى إنه خيَر أحب الناس إليه زوجته فاطمة بين أن تعيش معه، ولا حظَ لها فيه، فقد نذر نفسه للآخرة وبين الفراق فبكت و أبكت كل من حولها و اختارته و عاشت حياة الشظف والفقر و الزهد لله.وهي زوج الخليفة بنت الخليفة و أخت الخلائف و الخليفة جدها،و لم يجتمع ذلك لامرأة في الدنيا غيرها.
نرجع لعمر و آه لعمر…و لكلمة عمر…أقول كما قال الله تعالى: “قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى و فرادى ثمَ تتفكروا”. أخي الحبيب، أختي الحبيبة،بني الغالي،بنيتي الغالية … أرجوك أن تختلي بنفسك بعد قراءة مقالي هذا في مكان خال من الملهيات لمدة ربع ساعة فقط،لوحدك أو مع شخص آخر لا أكثر ثم تفكر…أقول تفكر بمعنى أن تعيش حقيقة ما تتكلم به و تتخيله واقعا…أنا وأنت إمَا أن نكون من الحمقى وإمَا أن نكون من الهلكى؟؟؟تفكر هل أنا مؤمن بالله مصدق لرسوله صلَى الله عليه وسلَم حقًا إذن ؛ فأنا أحمق وأستحق هذا الوصف بجدارة…مؤمن بأن الله قال :”و ما خلقت الجنَ و الإنس إلاَ ليعبدون” و يومي أربع و عشرون ساعة منحتها للعبادة و لعلي لا أزيد عن الصلاة التي تفتقر أصلا لحقيقة العبادة . مؤمن بأن الله هو الرزَاق ذو القوة المتين و أن رزقي مكتوب و أنا في بطن أمَي،و لكني ألهث وراءه وأركب الصعب و الذلول وربما وقعت في الحرام حرصا عليه…مؤمن بأن لي أجلا يأتيني بغتة لا أعرف وقته و أتعلق بكل ما في هذه الدنيا كأنني لن أموت …تخيَل نفسك في وقت التفكر هذا وقد شعرت بضيق في التنفس وبدأبصرك يزيغ و تغيَر عليك مكانك فأصبحت ما ترى ماهنالك جيِدا وشيئا فشيئا ظهرت لك عوالم أخرى وأشكال غير مألوفة ومخلوقات غريبة و بدأت لحظات انقطاعك عن الدنيا و إقبالك على الآخرة،و إمَا ملائكة رحمة و إمَا ملائكة عذاب …ماذا نفعك البيت؟وماذا نفعتك السيارة؟و أين المال و الأهل و الزوجة و الولد و الجوال؟وأين الملذات و ساعتها؟ بقيت الحسرات و نداماتها …
إنني مؤمن بأن الدنيا دار انتقال و حرث و استعداد للآخرة و أن الآخرة هي دار القرار ولكنني أعمل للدنيا و أخدمها بكل ما أملك و أضحي لها و لأجلها و هكذا أفسدت على آخرتي .إليك مثال يروى عن المسيح عليه السلام يقرب لك حقيقة الدنيا ،قال:”الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمِروها فطرف القنطرة الأوَل المهد و الطرف الثاني هو اللحد. فمن الناس من قطع نصف القنطرة و منهم من قطع ثلثها و منهم من لم يبق له إلا خطوة واحدة وهو غافل عن ذلك.و لابدَ للجميع من العبور فمن وقف يبني على القنطرة و يزينها بأصناف الزينة وهو عابر لا محالة في غاية الحمق و الهبل فأنا إذا فعلت ماتقدم إنما أبني على القنطرة
أسألكم بالله ألست بذلك أعظم الحمقى؟…هذا لأنني أدعي الإيمان و أمَا الثانية و أعوذ بالله من الثانية أن أكون من الهلكى الذين هم في حقيقة الأمر لا يؤمنون لا بالله ولا برسوله صلَى الله عليه و سلَم و لا بحساب ولا بعقاب و إنما هم يقولون كما يقول آباؤهم مؤمنون بالعلم فقط أو بالهوية فقط. ولما يدخل الإيمان في قلوبهم فوامصيبتهم وياويلهم وياخسارتهم .فإن كنت منهم ،و أعيذك بالله من ذلك ،فابدأ صفحة جديدة في حياتك .
وأختم مقالي بقوله تعالى:” من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار و حبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون”.