رسالة إلى من ينتظر زكاة رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فاعلم أخي الكريم وفقني الله وإياك لكل خير أن أموال الزكاة حق للفقراء والمساكين في أموال الأغنياء ليست منة منهم وتفضلا وما كان منها على سبيل الصدقة المستحبة فهي رفعة لهم وتكفير لذنوبهم فقد تحصلوا على المقابل وأخذوا الجزاء الأوفى …
قال تعالى : وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم .
إلا أن هذه الأموال لا تحل إلا للمستحق لها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي .
فمن كان غنيا أو كان قادرا على العمل فأقدم على الأخذ من هذه الصدقات فإنما يأخذ جمرا من جهنم وأتى يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم .
قال صلى الله عليه وسلم : إنه من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم قيل يا رسول الله وما يغنيه قال ما يغديه ويعشيه .
وقال : من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمر جهنم فليستقل منه أو ليكثر
وقال صلى الله عليه وسلم : ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم
وتأمل أخي الكريم قول النبي صلى الله عليه وسلم : من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز ظاهرا.
وجاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال له : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها ؟ قال نعم قال ألك مسكن تسكنه ؟ قال نعم قال فأنت من الأغنياء. قال فإن لي خادما قال فأنت من الملوك !!!!
وتأمل أخي الفاضل قوله صلى الله عليه وسلم : لأن يأخذ أحدكم أحبلا فيأخذ حزمة من حطب فيبيع فيكف الله به وجهه خير من أن يسأل الناس أعطي أم منع .
فإن وجدت في نفسك قدرة على العمل ولو في ظروف شديدة وبأجر زهيد فهو الواجب عليك والأكرم لك ودع هذه الصدقات لمستحقيها ممن لا يستطيعون الكسب ولا يجدون العمل .
وقد ذكر عبد الله بن المطلب بن ربيعة أنه اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا : والله لو بعثنا هذين الغلامين _ يعني عبد الله بن المطلب والفضل بن العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس ، فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك فقال علي بن أبي طالب لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك قال علي أرسلوهما قال عبد الله بن المطلب : فانطلقنا واضطجع علي قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال أخرجا ما تصرران ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون قال فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه قال وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه قال ثم قال إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس .
وعن حكيم بن حزام قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني وألحفت عليه فقال ما أنكر مسألتك يا حكيم إنما هذا المال خضرة حلوة وإنما هو ذلك أوساخ أيدي الناس ويد الله فوق يد المعطي ويد المعطي فوق يد السائل ويد السائل أسفل الأيدي .
وعن أسلم قال قال لي عبد الله بن الأرقم ادللني على بعير من العطايا أستحمل عليه أمير المؤمنين قلت نعم جمل من إبل الصدقة فقال عبد الله بن الأرقم أتحب لو أن رجلا بادنا في يوم حار غسل ما تحت إزاره ورفغيه ثم أعطاكه فشربته قال فغضبت وقلت يغفر الله لك تقول مثل هذا لي ؟ قال فإنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم .
فهذه الصدقات أوساخ الناس ومن صبر عنها حتى وهو محتاج إليها فهو خير له وأفضل وقد جاء ثلاثة نفر إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فقالوا يا أبا محمد إنا والله ما نقدر على شيء لا نفقة ولا دابة ولا متاع فقال لهم : ما شئتم ، إن شئتم رجعتم إلينا فأعطيناكم ما يسر الله لكم ، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان ، وإن شئتم صبرتم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا قالوا فإنا نصبر لا نسأل شيئا .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى والحمد لله رب العالمين .
وكتب
د. محمد بن رزق بن طرهوني