خواطر مع الواقع 3_الغناء والعوني للمرة الثالثة ..
لازال الدكتور العوني لايرعوي لندعه وشأنه !! أفرغنا كثيرا مما كنا نكتمه في مقال : حاتم العوني والصحوة فما أثر فيه شيئا ..
ثم عرضنا به في مقال : تهنئة الكريسمس فما رفع رأسا
وحان الآن موعد المقالة الثالثة فيه والثالثة ثابتة كما يقولون ..
يا أخي ..ألا تشفق على نفسك ؟ والله لن ينفعك ذلك لا في الدنيا ولا في الآخرة .. فسيدك الذي تخطب وده ومن دار في فلكه وأمثالهم لا صاحب لهم .. فجأة في ليل أظلم يعبئونك في خيشة بالية ويرمونك في حفرة نائية ..ولن يلتفتوا لدموع عينك ولا شريف نسبك !
أيخفى عنك ماهو ظاهر للعميان والعرجان والبرصان ؟!
ألغناء الذي تحاول عبثا تهوين تحريمه وتحاول جاهدا تجريم منكريه هو الغناء الموجود اليوم ؟
اتق الله فإنك موقوف بين يدي العليم الخبير !
هل تعرف اليوم غناء بلا معازف وآلات الطرب بشتى أنواعها ؟
إذن أنت تتكلم عن غناء يصحبه آلات اللهو وهذا محرم بالإجماع
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام … ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا، إلا أن بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي ذكر في اليراع ـ يعني الزمارة التي يقال لها الشبابة ـ وجهين، بخلاف الأوتار ونحوها، فإنهم لم يذكروا فيها نزاعا، وأما العراقيون الذين هم أعلم بمذهبه وأتبع له فلم يذكروا نزاعا لا في هذا ولا في هذا، بل صنف أفضلهم في وقته أبو الطيب الطبري شيخ أبي إسحاق الشيرازي في ذلك مصنفا معروفا، ولكن تكلموا في الغناء المجرد عن آلات اللهو: هل هو حرام، أو مكروه، أو مباح؟ وذكر أصحاب أحمد لهم في ذلك ثلاثة أقوال، وذكروا عن الشافعي قولين، ولم يذكروا عن أبي حنيفة ومالك في ذلك نزاعا . ا.هـ
أعرف أنك لن يعجبك ابن تيمية فاسمه يحدث لك (أرتكاريا) وإن لم تظهر لنا الحكة ولكنه هنا ناقل وليس مفتيا فهل تجرؤ على تكذيبه ؟
وقد حكى الإجماع على تحريم الغناء المصاحب لآلات اللهو جماعة من العلماء، منهم الإمام القرطبي وأبو الطيب الطبري وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي وابن القيم وابن حجر الهيتمي
قال الإمام القرطبي: “أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك. وكيف لا يحرم! وهو شعار أهل الخمور والفسق ومهيج الشهوات والفساد والمجون، وما كان كذلك لم يشك في تحريمه، ولا تفسيق فاعله وتأثيمه”.
وللإنصاف نقول :
إن الرجل يتكلم عمن يعدون الغناء من الكبائر وليس من قال بالتحريم فقط ، وبناء عليه فهو يرى خطورة هذا القول وأنه يؤدي للقتل والتفجيرات في الآمنين لأنه تطرف زائد !
ونحن نقول له في الجانب الآخر : إذن من حقنا نحن كذلك أن نرى أن تمييعك وإباحتك للغناء تطرف زائد في المقابل ونراه يؤدي للفجور والخنا والتحلل من الدين شيئا فشيئا وتحريف الأحكام الشرعية والكذب على الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم واستحلال المحرمات والزندقة والكفر والردة !
ولكن دعنا ننظر هل لقولك نصيب ولو ضئيل جدا من الصحة ؟
هل فعلا الغناء الذي ذكرناه والمحرم بالإجماع من الصغائر أم من الكبائر ؟
وهل القول بأنه من الكبائر بدع من القول ، وهو مقولة الإرهابيين والمفجرين والمكفرين ؟
لا أدري هل قرأت كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر للإمام ابن حجر الهيتمي ؟ استفهامي هنا استنكاري وليس طلبا للجواب ..
إن لم تكن قرأته فارجع إلى (الكبيرة السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والأربعون، والخمسون والحادية والخمسون بعد الأربعمائة: ضرب وتر واستماعه، وزمر بمزمار واستماعه وضرب بكوبة واستماعه )
فهل كان ابن حجر الهيتمي ومن نقل عنهم في هذا الباب من الإرهابيين والمفجرين والمكفرين ؟؟
وهل العلماء الذين ردوا شهادة مستمع المعازف وجزموا بفسقه كانوا من هذا الصنف يا دكتور ؟
قال الهيتمي نقلا عن الماوردي : وَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَمُعْظَمُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ هَذَا لَفْظُهُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ، قَالَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي سَمَاعِ الْأَوْتَارِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا مَرَّةً يُشْعِرُ بِالِانْحِلَالِ وَإِلَّا فَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ، وَطَرَدَ الْإِمَامُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يُجَانِسُهُ .
ثم نقل أنَّ الْمَحَلِّيَّ صَرَّحَ فِي ذَخَائِرِهِ بِمَا يُوَافِقُهُ، فَقَالَ إنَّ كَوْنَ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّامِلِ حَيْثُ قَالَ: مَنْ اسْتَمَعَ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ فَسَقَ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَكْرَارَ السَّمَاعِ .
وهنا ننتقل لفقرة أخرى :
لو سلمنا جدلا أن الاستماع لهذه الآلات من الصغائر وتجاهلنا دلالة النصوص الشرعية مع ضابط الكبيرة الذي نص عليه العلماء من كونها كُلُّ ذَنبٍ خُتِم بلعنةٍ أو غَضَبٍ أو نارٍ، فهو من الكبائِرِ وكل ذنب أوجب حدا في الدنيا فهو من الكبائر ..
وعندنا أحاديث كثيرة بها اللعن والوعيد بالنار ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : صوتان ملعونان : صوت مزمار عند نعمة، وصوت ويل عند مصيبة .
وعندنا دلالة الاقتران في حديث المعازف الشهير وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف . رواه البخاري.
حيث جمع بين المعازف وشرب الخمر والزنا واستحلال الحرير
ولكننا سنعرض عن ذلك ونضرب عن المنازعة في ثبوت الأحاديث وفي حجية دلالة الاقتران ونسلم جدلا أن الاستماع لهذه الآلات من الصغائر ولكن !!!
أي استماع ؟ إنه الاستماع المرة والمرتين أما المداومة على الاستماع وهو ديدن كل المستمعين للغناء المصاحب لآلات الطرب فهو داخل في الكبائر حتى عند من يرى أن أصله من الصغائر وقد نص على ذلك كثيرون وهو الموافق لقاعدة الإصرار على الصغيرة كبيرة .
فهل تتكلم أيها الدكتور عمن استمع مرة أو مرتين أم عمن يستمع دوما كما هو حال كل المستمعين الذين نعرفهم ونعيش بينهم ؟ أم أنت من كوكب آخر ؟!
ثم لو سلمنا جدلا أن تكرار السماع ليس كبيرة فهل تتكلم عمن يستتر به أم عمن يجاهر به ؟
إن جل من يستمع للمعازف يجاهر بذلك بل ربما أزعج غيره معه بها وهنا ننتقل لموجب آخر للجزم بأنها كبيرة لأن المجاهرة بالمعصية من الكبائر حيث ثبت في الحديث : كل أمتي معافى إلا المجاهرين ..
فانظر هداك الله لما تحاول أن تلبس به على المسلمين وتدعي أنه من الصغائر وأنت لا تلتفت لحقيقة الغناء المعهود عند من تخاطبهم فضلا عمن تخطب ودهم !
إنه غناء .. مصاحب بآلات اللهو والطرب .. يتكرر الاستماع له .. مجاهر به ليس بين العبد وربه
فهذا ورب الكعبة كبيرة لايختلف في ذلك اثنان ولا ينتطح فيه كبشان ..
ولكن هل هو وقف لهذا الحد ؟
يضاف إلى ذلك أنه غالبا بصوت امرأة حرة ( شرعا وإلا فهي عبدة للشهوات فعلا) فيزيد الإجماع على كونه كبيرة إجماعا
ثم هذه المرأة الحرة (شرعا) فاجرة داعرة عارية متكسرة ترقص وتتمايل فيزيد الإجماع إجماعا وإجماعا
ثم هو يدعو للخنا والفجور والعشق والهيام وربما حوى كلمات كفرية ومحادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيزيد الإجماع إجماعا وإجماعا وإجماعا
ثم يأتي من يفعل ذلك في الحرمين .. فياويل أمه !!
ويأتي من ينشر ذلك ويدعو إليه الناس ويجتمعون على هذه الكبائر .. فتلك ظلمات بعضها فوق بعض ..
هذه الصورة المتكاملة هي التي تحصل الآن وهي الواقع الأليم الذي أنت ..كسر الله يدك وفض الله فاك .. تريد أن تمررها وتهون من شأنها بخلاف غير معتبر متعلق بسماع شيء من المعازف .. وتقول صغيرة وكبيرة ..فالحق بركب سيدك وعبيده حشركم الله معا إن لم تتب إلى الله وتتراجع عن ذلك الإفك ..
ومن أراد الاستزادة والتفصيل فعليه بكتاب : كف الرعاع (ومنهم صاحبنا) عن محرمات اللهو والسماع . لابن حجر الهيتمي رحمه الله
والحمد لله رب العالمين .
وكتب
د. محمد بن رزق بن طرهوني 9 جمادى الثانية 1443 هـ