الصور لتزكية شيخنا في التفسير الدكتور عبد الرحمن حواس 1402هـ
لتحميل المقالة pdf اضغط هنا
لتحميل المقالة doc اضغط هنا
المشوهون علميا !!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فما أقبح التشويه في الصورة الجميلة !! خلق الله الخلق فأبدع سبحانه في خلقه فأي تناسق وأي جمال وأي روعة وأي نظام !!
وصوركم فأحسن صوركم .. فتبارك الله أحسن الخالقين .. نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ..
وتشاء قدرة الله ليظهر آثارها ولحكم عظيمة أرادها أن يحرم بعض خلقه من كمال الخلقة واستوائها فابتلى بعضهم بالتشوه الخلقي بكسر الخاء أي تشوه في خلقته وربما طرأ عليه التشوه بعد أن كان سويا معدلا .. ولربما جعل الله أسبابا تعين على زوال هذا التشوه أو محاولة التغلب عليه وعلاجه أو محاولة إخفائه ..
وكما أن هناك تشوها في الخلقة أو الهيئة فهناك تشوه في الخلق وهو الجدير بمسمى التشوه الخلقي كما ينطقها العوام بضم الخاء واللام وهذا التشوه يكون في شخص له صفات كثيرة طيبة ولكنه يتحلى بصفة أو صفات سيئة تفسد عليه جمال ماعنده من خلق حميد ..
عن جابر رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا بني سلمة من سيدكم قالوا: الجدُّ بن قيس وإنا لنبخِّله. قال: وأيُّ داء أدوأ من البخل؟! بل سيدكم الخير الأبيض عمرو بن الجموح ))
فالبخل تشوه خلقي بشع يقضي على ما لدى الشخص من أخلاق أخرى حميدة ..
وهناك تشوهات أخرى لانطيل بها مثل التشوه البصري والتشوه السمعي والتشوه المعرفي والتشوه الفكري والتشوه الفني …ويجمعها أنها جميعا ثلمة أو عيب يفسد الصورة الجمالية للشيء مهما كان جميلا .
وموضوعنا اليوم عن نوع آخر من التشوه ونسميه التشوه العلمي ونقصد به العيب الذي يفسد على طالب العلم الشرعي ما تجمل به من علم .. وله أسبابه ومظاهره وخطورته .. ولايمكن الإحاطة بذلك في مقال عابر بل لو أفرده بعض الباحثين برسالة علمية جامعية لكان أهلا لذلك .
وأهمية ذلك تكمن في طرفين : الطرف المشوه ثم من يتأثر به ..
وهذا مانعاني منه في الساحة الآن أكثر مما مضى فكثير ممن ينظر ويتكلم في المسائل العلمية من المشوهين علميا . ولكونهم مشوهين لايظهر هذا التشوه عليهم لملابسات كثيرة وأهمها أن التشوه العلمي لايراه إلا العالم .. فالمشوه علميا خطير جدا على العامة حيث لايرون منه إلا ما يظهر لهم منه من الجمال ولايفطنون للتشويه مع خطورته البالغة إلا أن يحذرهم منه عالم متمكن ..
فالمشوه علميا .. يسوق لك الآيات والأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء ويقعد ويؤصل وكل ذلك قد يكون ورما يظنه الظان شحما لأنه علم مشوه سببه أن صاحبه لديه تشويه علمي .
ومن أهم أسباب التشويه العلمي الاعتماد على الاطلاع والقراءة أو حتى الدراسة دون أن يكون ذلك على يد العلماء وتفاعل مع طلاب العلم الآخرين وهو ما توفره الدراسة النظامية حاليا .. وقطعا لايكفي توفر ذلك لكي ينجو الطالب من التشويه العلمي ولكن فقدانه سبب أساس في التشويه العلمي فلابد من توافر البديل لطالب العلم لسد هذه الثغرة وإلا فلن ينج ، ولايكفي الدراسة على شيخ واثنين وثلاثة خاصة لو كانوا على نهج واحد لاتنوع فيه ..
ومن أهم الأسباب أيضا لحصول التشويه العلمي الخلل في المنهجية المتبعة في الطلب فإذا بدأ الطالب بكبار العلم قبل صغاره وبالأهم قبل المهم وبالفرع قبل الأصل وبالعلوم قبل أدواتها بل وبالعلم قبل أدبه جملة لابد أن يشوه .
وقد أوشكت أن يطالني هذا التشويه إلا أن لطف الله بي نجاني منه ولذا فأنا من أعرف الناس به وبخطورته مما يدفعني لتحذير إخواني المسلمين منه مع حرقة قلب وألم مما أراه بسببه من انتشار الغلو والخلل العجيب في الفهم .
ففي بداية الطلب تأثرت كثيرا بالإمام ابن حزم وغصت في كتب الحديث تأثرا بمنهج الشيخ الألباني في التصفية والتربية وغلب على عقلي قضية محاربة التقليد واتباع السلف والأخذ بالدليل وكل ذلك بمعزل عن العلماء اللهم في النادر اليسير .. حتى من الله علي بالالتحاق بالجامعة بعد أن كانت لدي حصيلة علمية قوية لكنها مشوهة فاصطدمت بأمور ولا أنسى سذاجتي وأنا أستمع لشيخنا في القراءات الشيخ عبد الحكيم خاطر رحمه الله تعالى وهو يشرح قراءة ثم يقول وما الدليل عليها ؟ فقلت في نفسي : هكذا العلم فليكن !! فإذا بالشيخ يذكر بيتا من الشاطبية !! فقلت في نفسي وأين الدليل من الكتاب والسنة ؟؟ واليوم أضحك على نفسي وجهلي وأشفق على من هو مثلي وهذا العلم كان جديدا علي بالرغم من دراستي قبل الجامعة لروايتي حفص وورش ولكن ، دراسة مشوهة !!
لم يخف بعض شيوخنا إعجابهم بما لدي من معلومات وكان هذا يزيد من ثقتي بنفسي بل بالأحرى عجبي ! فهو تعبير أفضل وأوقع .. فأذكر أن ذلك كان يورثني جرأة على العلماء ووقاحة في نفس الوقت وهذا بسبب دراستي المشوهة !!
من هؤلاء شيخنا الشيخ الدكتور عواد بلال العوفي أذكر أنه كان مناقشا لي في بحثي للتخرج ولا أنسى كلمته وهو المناقش لي إذ يقول لشيخنا الدكتور أحمد العماري الزهراني تقبله الله إذ قضى نحبه في سجون المملكة وكان عميدا للكلية والمشرف على البحث ولي معه قصص : ياشيخ أحمد أتريدني أن أناقش محمدا في بحثه ؟! يستعظم ذلك ويريد إعطائي الدرجة كاملة دون مناقشة حتى رفض ذلك الدكتور أحمد وأصر على المناقشة .
ومن هؤلاء شيخنا الدكتور عبد الله بن الشيخ الأمين الشنقيطي كان يلقبني بشيخ الإسلام وإن كان لايخفى وجود شيء من الطنز بها ..إلا أنها كانت تحمل الثناء كذلك حتى كان من زملائي من يلقبني بها حقيقة !!
أذكر مرة دارت رحى الحرب معه حول بعض المسائل العلمية ومعه فريق من الطلاب ومعي فريق آخر واحتدم الأمر فقلت متطاولا وقد فقدت أدب الطلب الذي حرمت منه بسبب خلل المنهجية : ياشيخ عبد الله أنت تعرف أن كرسيك هذا الأولى به غيرك ممن يجلس على الكرسي المقابل !! أو كلاما هذا معناه وأستغفر الله مما قلت وليسامحني شيخي الحبيب .. وقد كنت على علاقة خاصة معه بل علاقة أسرية أزوره بأهلي ونقضي أوقاتا ممتعة ببيته العامر بحضور الشاهي الشنقيطي المميز ونتدارس بعض المسائل وما أجملها من ذكريات وقصص جميلة ليس هذا مجالها .
موقف آخر مع الشيخ حفظه الله وأمد في عمره على طاعته ورزقني وإياه حسن الخاتمة .. وقد كان الشيخ يدرسنا مادة العقيدة ولايبدأ محاضرته حتى يقول : اللهم سلم سلم .. وكذا درسنا مادة الشبهات .. فالتقينا خارج الفصل يوما وأنا أحاول إقناعه أن كتاب إحياء علوم الدين للغزالي وكتاب الكشاف للزمخشري يستحقان الحرق لما فيهما من مخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة وخطورتهما على القارئ !! وهذا قطعا من التشويه العلمي الذي نتكلم عنه والذي نتج عنه هذا الغلو القبيح .
آخر المواقف حتى لا أطيل عليكم كانت معركة حامية مع طلبة العلم من الهنود والباكستانيين الأحناف حول الدليل وأنه لايؤخذ العلم إلا بالدليل ولاتقبل فتوى بغير دليل وكنت أسخر من تقليدهم للمذهب وتدخل شيخنا لتهدئة الأمر وتنظيم الصراع والتحدي فكان مني أن سخرت من كتاب الفتاوى الهندية الكبرى وقلت ياشيخ هل يعقل أن يخلو كتاب من دليل من الكتاب والسنة ويقال عنه دين ؟؟ فكأن الشيخ أيدني في أن ذلك لا يعقل . فقلت : ياشيخ كتاب الفتاوى الهندية ثمان مجلدات لايوجد فيه آية ولاحديث . فلم يصدق الشيخ وتحداني الطلاب وأنا عنيد وعندي تشوه علمي فاستأذنت الشيخ أن أحضر أربعة مجلدات منه ويعطى منها الطلاب وأتحدى أن يخرج طالب منها موضعا فيه آية أو حديث .. وبالفعل ذهبت وأحضرت المجلدات وبدأ البحث المضني دون نتيجة حتى صاح طالب وجدتها ياشيخ وجدتها !! فإذا به وجد آية للتبرك في بداية كتاب المياه وهي قوله تعالى : وأنزلنا من السماء ماء طهورا !!
لم أع بسبب التشوه العلمي اختلاف أغراض التصنيف فهذا كتاب جامع للفتاوى والفتوى نتيجة دراسة نصوص وأدلة كثيرة ليس هنا مجال ذكرها ولكنها مسائل فقهية يذكر فيها فتوى العلماء مجردة عن حيثيات وأدلة الفتوى كجامع وأرشيف لها .. ولكنه التشوه العلمي ..
أكتفي بهذا وأرجو أن يستفيد إخواني من هذه الذكريات ويعلموا خطورة هذا التشوه عليهم من أنفسهم وعليهم ممن يقرأون لهم أو يسمعون فمهما كان المتكلم لديه حصيلة علمية كبيرة وعنده قدرة على سوق الاستدلالات والرد على المخالف والأخذ والعطاء فإياه أن يغتر بنفسه أو يغتر به غيره ويظن أنه على شيء حتى يعرض كلامه على العلماء فيصوبونه أو يبهرجونه ويزيفونه .
وإن من هؤلاء في الساحة أفرادا غير قلائل تعجلوا التصنيف والتسجيلات الصوتية وصار لهم أتباع ومريدون ورأوا في أنفسهم أنهم قادات وعلماء متبعون فإذا نظرت في تاريخهم العلمي لم تر إلا سرابا فلربما لم يدرس أحدهم على أي من العلماء أو درس على شيخ أو شيخين ولايوجد لديه ما يشهد له أنه برز في هذا العلم وأنه أهل للحديث أو التصنيف فيه .. ومن أبرز علامات هؤلاء :
1- كثرة الكلام واللف والدوران والقص واللصق والتشدق بالاصطلاحات ودعوى التأصيل .
2- إسقاط العلماء المعاصرين بل والسابقين .
3- الانشغال بقضايا التكفير وعدم التورع فيه .
4- العجب ومظنة الإتيان بما لم يأت به السابقون .
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى ورزقنا الإخلاص في القول والعمل والحمد لله رب العالمين .